responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الأحكام السلطانية نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 247
وَأَمَّا مَكَّةُ فَلَمْ تَكُنْ ذَاتَ مَنَازِلَ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ بَعْدَ جُرْهُمَ وَالْعَمَالِقَةِ يَنْتَجِعُونَ جِبَالَهَا وَأَوْدِيَتَهَا، وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْ حَرَمِهَا انْتِسَابًا إلَى الْكَعْبَةِ لِاسْتِيلَائِهِمْ عَلَيْهَا، وَتَخَصُّصًا بِالْحَرَمِ لِحُلُولِهِمْ فِيهِ، وَيَرَوْنَ أَنَّهُ سَيَكُونُ لَهُمْ بِذَلِكَ شَأْنٌ، وَكَلَّمَا كَثُرَ فِيهِمُ الْعَدَدُ وَنَشَأَتْ فِيهِمُ الرِّيَاسَةُ قَوِيَ أَمَلُهُمْ، وَعَلِمُوا أَنَّهُمْ سَيَتَقَدَّمُونَ عَلَى الْعَرَبِ، وَكَانَ فُضَلَاؤُهُمْ وَذَوُو الرَّأْيِ وَالتَّجْرِبَةِ مِنْهُمْ يَتَخَيَّلُونَ أَنَّ ذَلِكَ لِرِيَاسَةٍ فِي الدِّينِ وَتَأْسِيسٍ لِنُبُوَّةٍ سَتَكُونُ؛ لِأَنَّهُمْ تَمَسَّكُوا مِنْ أُمُورِ الْكَعْبَةِ بِمَا هُوَ بِالدِّينِ أَخَصُّ، فَأَوَّلُ مَنْ شَعَرَ بِذَلِكَ مِنْهُمْ وَأَلْهَمَهُ كَعْبُ بْنُ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَجْتَمِعُ إلَيْهِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، وَكَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ عُرُوبَةً، فَسَمَّاهُ كَعْبٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَكَانَ يَخْطُبُ فِيهِ عَلَى قُرَيْشٍ فَيَقُولُ عَلَى مَا حَكَاهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ: وَأَمَّا بَعْدُ، فَاسْمَعُوا وَتَعَلَّمُوا وَافْهَمُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّيْلَ سَاجٍ، وَالنَّهَارَ صَاحٍ، وَالْأَرْضَ مِهَادٌ، وَالْجِبَالَ أَوْتَادٌ، وَالسَّمَاءَ بِنَاءٌ، وَالنُّجُومَ أَعْلَامٌ، وَالْأَوَّلِينَ كَالْآخَرِينَ، وَالذَّكَرَ وَالْأُنْثَى زَوْجٌ إلَى أَنْ يَأْتِيَ مَا يَهِيجُ، فَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَاحْفَظُوا أَصْهَارَكُمْ، وَثَمِّرُوا أَمْوَالَكُمْ، فَهَلْ رَأَيْتُمْ مِنْ هَالِكٍ رَجَعَ أَوْ مَيِّتٍ انْتَشَرَ، وَالدَّارُ أَمَامَكُمْ، وَالظَّنُّ غَيْرُ مَا تَقُولُونَ، حَرَمُكُمْ زَيِّنُوهُ وَعَظِّمُوهُ، وَتَمَسَّكُوا بِهِ، فَسَيَأْتِي لَهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ، وَسَيَخْرُجُ مِنْهُ نَبِيٌّ كَرِيمٌ، ثُمَّ يَقُولُ "مِنَ الطَّوِيلِ":
نَهَارٌ وَلَيْلٌ كُلَّ يَوْمٍ بِحَادِثٍ ... سَوَاءٌ عَلَيْنَا لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا
يَئُوبَانِ بِالْأَحْدَاثِ فِينَا تَأَوُّبًا ... وَبِالنِّعَمِ الضَّافِي عَلَيْنَا سُتُورُهَا
صُرُوفٌ وَأَنْبَاءٌ تُقَلِّبُ أَهْلَهَا ... لَهَا عُقَدٌ مَا يَسْتَحِيلُ مَرِيرُهَا
عَلَى غَفْلَةٍ يَأْتِي النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ ... فَيُخْبِرُ أَخْبَارًا صَدُوقًا خَبِيرُهَا
ثُمَّ يَقُولُ: أَمَا وَاَللَّهِ لَئِنْ كُنْتُ فِيهَا ذَا سَمْعٍ وَبَصَرٍ وَيَدٍ وَرِجْلٍ لَتَنَصَّبْتُ فِيهَا تَنَصُّبَ الْجَمَلِ، وَلَأَرْقَلْتُ فِيهَا إرْقَالَ الْفَحْلِ، ثُمَّ يَقُولُ "مِنَ الْبَسِيطِ":
يَا لَيْتَنِي شَاهِدٌ فَحْوَاءَ دَعْوَتِهِ ... حِينَ الْعَشِيرَةُ تَبْغِي الْحَقَّ خِذْلَانًا
وَهَذَا مِنْ فِطَنِ الْإِلْهَامَاتِ الَّتِي تَخَيَّلَتْهَا الْعُقُولُ فَصَدَقَتْ، وَتَصَوَّرَتْهَا النُّفُوسُ فَتَحَقَّقَتْ، ثُمَّ انْتَقَلَتْ الرِّيَاسَةُ بَعْدَهُ إلَى قُصَيِّ بْنِ كِلَابٍ، فَبَنَى بِمَكَّةَ دَارَ النَّدْوَةَ لِيَحْكُمَ فِيهَا بَيْنَ قُرَيْشٍ، ثُمَّ صَارَتِ الدَّارُ لِتَشَاوُرِهِمْ وَعَقْدِ الْأَلْوِيَةِ فِي حُرُوبِهِمْ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: فَكَانَتْ أَوَّلَ دَارٍ بُنِيَتْ بِمَكَّةَ، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ فَبَنَوْا مِنَ الدُّورِ مَا اسْتَوْطَنُوهُ؛ وَكَلَّمَا قَرُبُوا مِنْ عَصْرِ الْإِسْلَامِ ازْدَادُوا قُوَّةً وَكَثْرَةَ

نام کتاب : الأحكام السلطانية نویسنده : الماوردي    جلد : 1  صفحه : 247
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست