والرعي بنفسه، ويدفع عن نفسه صغار السباع إما لقوة جسمه كالإبل، والبقر والخيل والحمير، وإما لبعد أثره كالغزال والأرنب والطير، فهذه الأنواع لا يجوز لواجدها أن يتعرض لأخذها إذا لم يعرف مالكها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في ضوال الإبل: "مالك ولها معها حذاؤها"، أي خفها الذي يقيها العثرات، وتعتمد عليه في السعي إلى المرعى بدون أن يتجشم أحد تقديم الطعام إليها، ومعها سقاؤها إشارة إلى طول عنقها، فتمد عنقها إلى الماء، فلا يحتاج إلى من يقدمه لها، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: "ترد الماء وتأكل الشجر حتى يأتيها ربها"؛ ولأنها تحفظ أنفسها، فلم يكن لصاحبها حظ من أخذها، فإن أخذها لم يخل ذلك من أحد أمرين:
الأمر الأول: أن يأخذها لقطة ليتملكها إن لم يأت صاحبها، فهذا متعد وعليه ضمانها، فإن أرسلها لم يسقط الضمان، أما إذا لم يرسلها ودفعها إلى مالكها سقط عنه ضمانها بأدائها إلى مستحقها، فإن دفعها إلى الحاكم ففي سقوط الضمان وجهان:
الأول: يسقط؛ لأن الحاكم نائب عمن غاب.
الثاني: لا يسقط؛ لأنها قد تكون لحاضر لا ولاية للحاكم عليه.
الأمر الثاني: أن لا يأخذها لقطة بل يأخذها حفظا لها على مالكها، فإن كان عارفا لمالكها لم يضمن ويده أمانة حتى تصل إلى المالك، وإن كان غير عارف للمالك، ففي وجوب الضمان وجهان:
الأول: لا يضمن الحيوان الملتقط ليرده على مالكه عند التعرف عليه؛ لأنه من باب التعاون على البر والتقوى.
الوجه الثاني: عليه الضمان؛ لأنه لا ولاية له على غائب، إلا إذا كان