المطلب التاسع في المستثنيات
سبق أن تقرر ما نص عليه الفقهاء من أن تحريم بيع الأواني والأدوات المصنوعة من الذهب والفضة كان بسبب حرمة الاستعمال المترتب بدوره على حرمة الاتخاذ والاقتناء ولهذا فإنه إذا جاز الاستعمال استثناء لضرورة شرعية جاز تبعاً لهذا اعتباره محلاً للبيع وذلك بمراعاة حدوده إعمالاً لقاعدة أن الضرورة تقدر بقدرها.
وعلى هذا فإن الفقهاء أباحوا اتخاذ الأنف من الذهب أو الفضة إذا احتيج إلى ذلك، استناداً إلى ما روي عن عبد الرحمن بن طرفة: "أن جده عرفجة بن أسعد الكناني[1] أصيب أنفه يوم الكُلاب[2] فاتخذ أنفاً من فضة فأنتن عليه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتخذ أنفاً من ذهب"[3].
فقد أفاد هذا الحديث جواز اتخاذ الأنف من الذهب أو الفضة، والحكمة في استعمال الذهب في ذلك أنه لا يصدأ إذا كان خالصاً، بخلاف الفضة، وأن الأنف ينتن إذا اتخذ من الفضة فلا بد من اتخاذه من ذهب فكان ضرورة، فسقط اعتبار حرمته[4].
أما اتخاذ السن وإن تعددت من الذهب أو الفضة أو ربطها بشريط متخذ من أي منهما أو حشو السن، فالفقهاء لهم تفصيل في حكمه، فالخلاف بينهم على جواز اتخاذ السن وإن تعددت، والشريط الذي يربطها عند التخلخل أو حشوها أو اتخاذ [1] عرفجة بن أسعد بن كريب- بفتح الكاف وكسر الراء بعدها موحدة- التميمي، صحابي، نزل البصرة، كان من الفرسان في الجاهلية، ثم أسلم. راجع: الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر 1795، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر 6/411 برقم 5498. [2] هو يوم معروف من أيام الجاهلية كانت لهم وقعة مشهورة والكلاب اسم لماء من مياه العرب كانت عنده الوقعة فسمي ذلك اليوم يوم الكلاب وقيل عنده وقعتان مشهورتان يقال فيهما الكلاب الأول والكلاب الثاني المجموع للنووي 1/311 ولسان العرب 12/138. [3] أخرجه أحمد في المسند 5161, 5162 وأبو داود برقم 4232, 4233, 4234 والترمذي برقم 1770 والنسائي برقم 5161, 5162 وابن حبان في صحيحه 12/276 ورجال إسناده ثقات رجال الشيخين غير عبد الرحمن بن طرفة وقد وثقه العجلي وذكره ابن حبان في الثقات راجع تهذيب التهذيب ترجمة عبد الرحمن بن طرفة. [4] بدائع الصنائع للكاساني 5/132 والمغني لابن قدامة 8/323.