ثم ساق روايات منها: قال أبو عبد الله عليه السلام: " إن الإمام لو لم يعلم ما يصيبه وإلى ما يصير إليه فليس بحجة الله على خلقه " [1].
فإذا كان الأمر كذلك فعلام البكاء والنياحة واللطم مادام الحسين مات حينما أراد ومات الميتة التي أرادها.
فكما أن علياً أختار أن يموت مطعوناً فكذلك أختار الحسين أن يموت مقتولاً، فلماذا هذا الإخلاص للحسين دون سواه [2]. بئس هذه العقيدة ويالها من سخافة لا ترضاها العقول.
ولا ريب أن قتل الحسين من أعظم الذنوب وأن فاعل ذلك والراضي به والمعين عليه مستحق لعقاب الله الذي يستحقه أمثاله، لكن قتله ليس بأعظم من قتل من هو أفضل منه من النبيين والسابقين الأولين، أو من قتل في حرب مسيلمة وكشهداء أحد، والذين قتلوا ببئر معونة وكقتل عثمان وعلي، ولا سيما والذين قتلوا أباه علياً كانوا يعتقدونه كافراً أو مرتداً وأن قتله من أعظم القربات بخلاف الذين قتلوا الحسين، فانهم لم يكونوا يعتقدون كفره وكان كثير منهم، أو أكثرهم يكره قتله ويرونه ذنباً عظيماً لكن قتلوه لغرضهم كما يقتل الناس بعضهم بعضاً على الملك " [3].
فاتخاذ أيام المصائب مآتم ليس في دين المسلمين، بل هو إلى دين الجاهلية أقرب [4]. ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتماً فكيف بمن دونهم [5]. [1] بصائر الدرجات لمحمد بن الحسين بن فروخ الصفار (500) . [2] انظر: العقائد الشيعية لناصر الدين شاه (138-139) . [3] منهاج السنة النبوية لابن تيمية (2/249) . [4] اقتضاء الصراط المستقيم (2/621) ، وانظر: الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع (88) . [5] لطائف المعارف لابن رجب (52-53) .