responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 30  صفحه : 251
طَلَبُ الْعِلْمِ قُلْنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّفْسِيرِ مَرْوِيٌّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَإِنَّهُ قَالَ «طَلَبُ الْكَسْبِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ هِيَ الْفَرِيضَةُ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ وَتَلَا قَوْله تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ} [الجمعة: 10]» فَلَا يُتْرَكُ ذَلِكَ بِقَوْلِ مَكْحُولٍ وَمُجَاهِدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَالظَّاهِرُ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا بِدَلِيلِ مَا ذُكِرَ بَعْدَهُ {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} [الجمعة: 11] الْآيَةَ وَكَانُوا انْفَضُّوا بِذَلِكَ فِي حَالِ خُطْبَتِهِ فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَأُمِرُوا بِهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْأَمْرُ بَعْدَ النَّهْيِ يُفِيدُ الْإِبَاحَةَ.
قُلْنَا: الْأَمْرُ حَقِيقَةٌ لِلْإِيجَابِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ هُوَ الْإِبَاحَةُ وَالرُّخْصَةُ لَقَالَ: فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ فِي بَابِ طَرِيقِ الْحَجِّ {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى الْعِيَالِ مِنْ الزَّوْجَاتِ وَالْأَوْلَادِ وَالْمُعْتَدَّاتِ، وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِمْ إلَّا بِتَحْصِيلِ الْمَالِ بِالْكَسْبِ وَمَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى أَدَاءِ الْوَاجِبِ يَكُونُ وَاجِبًا وَالْمَعْقُولُ يَشْهَدُ لَهُ، فَإِنَّ فِي الْكَسْبِ نِظَامُ الْعَالَمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى حَكَمَ بِبَقَاءِ الْعَالَمِ إلَى حِينِ فِنَائِهِ وَجَعَلَ سَبَبَ الْبَقَاءِ وَالنِّظَامِ كَسْبَ الْعِبَادِ، وَفِي تَرْكِهِ تَخْرِيبَ نِظَامِهِ، وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ
فَإِنْ قِيلَ: فَبَقَاءُ هَذَا النِّظَامِ يَتَعَلَّقُ التَّسَافُدِ بَيْنَ الْحَيَوَانِ وَأَحَدٌ لَا يَقُولُ: بِفَرْضِيَّةِ ذَلِكَ.
قُلْنَا: نَعَمْ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ الْبَقَاءَ بِتَسَافُدِ الْحَيَوَانَاتِ وَرَكَّبَ الشَّهْوَةَ فِي طِبَاعِهِمْ وَتِلْكَ الشَّهْوَةُ تَحْمِلُهُمْ عَلَى مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَيْهِمْ لِكَيْ لَا يَمْتَنِعُوا مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ الطَّبْعَ دَاعٍ إلَى اقْتِضَاءِ الشَّهْوَةِ.
فَأَمَّا الِاكْتِسَابُ فِي الِابْتِدَاءِ فَكَدٌّ وَتَعَبٌ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهِ بَقَاءُ نِظَامِ الْعَالَمِ، فَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ أَصْلَهُ فَرْضًا لَاجْتَمَعَ النَّاسُ عَنْ آخِرِهِمْ عَلَى تَرْكِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي طَبْعِهِمْ مَا يَدْعُوا إلَى الْكَدِّ وَالتَّعَبِ فَجَعَلَ الشَّرْعُ أَصْلَهُ فَرْضًا لِكَيْ لَا يَجْتَمِعُوا عَلَى تَرْكِهِ فَيَحْصُلَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَجَمِيعُ مَا ذَكَرُوا مِنْ التَّقْسِيمَاتِ يَبْطُلُ بِمَا أَشَارَ إلَيْهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ طَلَبُ الْكَسْبِ فَرِيضَةٌ، كَمَا أَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ.
فَإِنَّ هَذِهِ التَّقْسِيمَاتِ تَأْتِي فِي الْعِلْمِ وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ أَصْلُهُ فَرْضًا بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِكَ طَلَبُ الْكَسْبِ وَكَانَ مَعْنَى الْفَرِيضَةِ مَا بَيَّنَّا مِنْ بَقَاءِ نِظَامِ الْعَالَمِ بِهِ، وَلَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي الِاسْتِكْثَارِ مِنْهُ عَلَى قَصْدِ التَّكَاثُرِ وَالتَّفَاخُرِ، وَإِنَّمَا ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى الِاسْتِكْثَارَ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ} [الحديد: 20]

ثُمَّ يَنْبَنِي عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ بَعْدَ مَا اكْتَسَبَ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ هَلْ الِاشْتِغَالُ بِالِاكْتِسَابِ أَفْضَلُ أَمْ التَّفَرُّغُ لِلْعِبَادَةِ؟ قَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -: الِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ أَفْضَلُ، وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - عَلَى أَنَّ التَّفَرُّغَ لِلْعِبَادَةِ أَفْضَلُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْفَعَةَ الِاكْتِسَابِ أَعَمُّ، فَإِنَّ مَا يَكْتَسِبُهُ الزَّارِعُ تَصِلُ مَنْفَعَتُهُ إلَى الْجَمَاعَةِ عَادَةً، وَاَلَّذِي يَشْتَغِلُ بِالْعِبَادَةِ

نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 30  صفحه : 251
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست