responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 30  صفحه : 250
بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الشَّافِي فَكَذَا اكْتِسَابُ سَبَبِ الرِّزْقِ بِالتَّحَرُّكِ لَا يَنْفِي التَّيَقُّنَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الرَّازِقُ وَالْعَجَبُ مِنْ الصُّوفِيَّةِ أَنَّهُمْ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ تَنَاوُلِ طَعَامِ مَنْ أَطْعَمَهُمْ مِنْ كَسْبِ يَدِهِ وَرِبْحِ تِجَارَتِهِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ، فَلَوْ كَانَ الِاكْتِسَابُ حَرَامًا لَكَانَ الْمَالُ الْحَاصِلُ بِهِ حَرَامَ التَّنَاوُلِ؛ لِأَنَّ مَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ بِارْتِكَابِ الْحَرَامِ يَكُونُ حَرَامًا.
(أَلَا تَرَى) أَنَّ بَيْعَ الْخَمْرِ لِلْمُسْلِمِ لَمَّا كَانَ حَرَامًا كَانَ تَنَاوُلُ ثَمَنِهَا حَرَامًا وَحَيْثُ لَمْ يَمْتَنِعْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ التَّنَاوُلِ عَرَفْنَا أَنَّ قَوْلَهُمْ مِنْ نَتِيجَةِ الْجَهْلِ وَالْكَسَلِ ثُمَّ الْمَذْهَبُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ الْكَسْبَ بِقَدْرِ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَرِيضَةٌ وَقَالَتْ الْكَرَّامِيَّةُ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ بِطَرِيقِ الرُّخْصَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا فِي كُلِّ وَقْتٍ أَوْ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ لَا يَتَفَرَّغَ أَحَدٌ عَنْ أَدَاءِ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ لِيَشْتَغِلَ بِغَيْرِهَا مِنْ الْفَرَائِضِ وَالْوَاجِبَاتِ وَالثَّانِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَا يَكُونُ فَرْضًا فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ شَرْعًا يَكُونُ مُضَافًا إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ، وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِإِضَافَةِ الْكَسْبِ إلَى وَقْتٍ مَخْصُوصٍ ثُمَّ لَا يَخْلُوا إمَّا أَنْ يَكُونَ فَرْضًا لِرَغْبَةِ النَّاسِ إلَيْهِ أَوْ لِلضَّرُورَةِ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، فَإِنَّ الرَّغْبَةَ ثَابِتَةٌ فِي جَمِيعِ مَا فِي الدُّنْيَا مِنْ الْأَمْوَالِ وَأَحَدٌ لَا يَقُولُ يُفْتَرَضُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ تَحْصِيلُ جَمِيعِ ذَلِكَ وَالثَّانِي بَاطِلٌ أَيْضًا، فَإِنَّ مَا يُفْتَرَضُ لِلضَّرُورَةِ إنَّمَا يُفْتَرَضُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ وَبَعْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ يَعْجِزُ عَنْ الْكَسْبِ فَكَيْفَ تَتَأَخَّرُ فَرِيضَتُهُ إلَى حَالِ عَجْزِهِ؟
وَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُفْتَرَضَ جَمِيعُ أَنْوَاعِهِ أَوْ نَوْعٌ مَخْصُوصٌ مِنْهُ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - مَا اشْتَغَلُوا بِالْكَسْبِ فِي عَامَّةِ أَوْقَاتِهِمْ وَكَذَا أَعْلَامُ الصَّحَابَةِ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْأَخْيَارِ، وَلَا يُظَنُّ بِهِمْ أَنَّهُمْ اجْتَمَعُوا عَلَى تَرْكِ مَا هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِمْ وَالثَّانِي بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْضُ النَّاسِ بِتَخْصِيصِهِ بِهَذَا الْفَرِيضَةِ بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْكَسْبَ لَيْسَ بِفَرْضٍ أَصْلًا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَصْلُهُ فَرْضًا لَكَانَ الِاسْتِكْثَارُ مِنْهُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْعِبَادَاتِ وَالِاسْتِكْثَارُ مِنْهُ مَذْمُومٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [الحديد: 20] إلَى قَوْلِهِ {عَذَابٌ شَدِيدٌ} [الحديد: 20] وَبِهَذَا الْحَرْفِ يَقَعُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَلَبِ أَهْلِ الْعِلْمِ، فَإِنَّ أَصْلَهُ لَمَّا كَانَ فَرْضًا كَانَ الِاسْتِكْثَارُ مِنْهُ مَنْدُوبًا إلَيْهِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ} [البقرة: 267] وَالْأَمْرُ حَقِيقَةٌ لِلْوُجُوبِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِنْفَاقُ مِنْ الْمَكْسُوبِ إلَّا بَعْدَ الْكَسْبِ وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى إقَامَةِ الْفَرْضِ إلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا وَقَالَ تَعَالَى {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا} [الجمعة: 10] الْآيَةَ يَعْنِي الْكَسْبَ وَالْأَمْرُ حَقِيقَةٌ لِلْوُجُوبِ فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَمَكْحُولٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُمَا قَالَا الْمُرَادُ

نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 30  صفحه : 250
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست