responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 30  صفحه : 249
بِأَنَّك أَوْفَيْت الْأَعْرَابِيَّ ثَمَنَ النَّاقَةِ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: كَيْفَ تَشْهَدُ لِي وَلَمْ تَكُنْ حَاضِرًا؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إنَّا نُصَدِّقُك فِيمَا تَأْتِينَا بِهِ مِنْ خَبَرِ السَّمَاءِ أَفَلَا نُصَدِّقُك فِيمَا تُخْبِرُ بِهِ مِنْ إيفَاءِ ثَمَنِ النَّاقَةِ، فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَنْ شَهِدَ لَهُ خُزَيْمَةُ فَحَسْبُهُ»، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْله تَعَالَى {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} [الذاريات: 22] فَالْمُرَادُ الْمَطَرُ الَّذِي يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ فَيَحْصُلُ بِهِ النَّبَاتُ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُسَمَّى رِزْقًا عَلَى مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ يَا ابْنَ آدَمَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْزُقُك وَيَرْزُقُ رِزْقَك وَيَرْزُقُ رِزْقَ رِزْقِك يَعْنِي يُنْزِلُ الْمَطَرَ مِنْ السَّمَاءِ رِزْقًا لِلنَّبَاتِ ثُمَّ النَّبَاتُ رِزْقُ الْأَنْعَامِ وَالْأَنْعَامُ رِزْقٌ لِبَنِي آدَمَ، وَلَئِنْ حَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَى ظَاهِرِهَا فَنَقُولُ: فِي السَّمَاءِ رِزْقُنَا، كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَكِنْ أَمَرَ بِاكْتِسَابِ السَّبَبِ لِيَأْتِيَنَا ذَلِكَ الرِّزْقُ عِنْدَ الِاكْتِسَابِ.
بَيَانُهُ فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِيمَا يُؤْثَرُ عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ: «عَبْدِي حَرِّكْ يَدَك أُنْزِلْ عَلَيْك الرِّزْقَ»، وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَرْيَمَ بِهَزِّ النَّخْلَةِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَهُزِّي إلَيْك} [مريم: 25] الْآيَةَ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَرْزُقَهَا مِنْ غَيْرِ هَزٍّ مِنْهَا، كَمَا كَانَ يَرْزُقُهَا فِي الْمِحْرَابِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ} [آل عمران: 37] الْآيَةَ، وَإِنَّمَا أَمَرَهَا بِذَلِكَ لِيَكُونَ بَيَانًا لِلْعِبَادِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ لَا يَدَعُوا اكْتِسَابَ السَّبَبِ، وَإِنْ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الرَّزَّاقُ، وَهَذَا نَظِيرُ الْخَلْقِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْخَالِقُ لَا مِنْ سَبَبٍ، وَلَا فِي سَبَبٍ كَمَا خَلَقَ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْه، وَقَدْ يَخْلُقُ لَا مِنْ سَبَبٍ، وَلَا فِي سَبَبٍ كَمَا خَلَقَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَقَدْ يَخْلُقُ مِنْ سَبَبٍ فِي سَبَبٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّاس إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ} [الحجرات: 13] الْآيَةَ، ثُمَّ الِاشْتِغَالُ بِالنِّكَاحِ وَطَلَبُ الْوَلَدِ لَا يَنْفِي يَقِينَ الْعَبْدِ بِأَنَّ الْخَالِقَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَكَذَا أَمْرُ الرِّزْقِ لِيُعْلِمَ أَنَّ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّ حَقِيقَةَ التَّوَكُّلِ فِي تَرْكِهِ الْكَسْبَ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلشَّرِيعَةِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي «قَوْلِهِ لِلسَّائِلِ الَّذِي قَالَ: أُرْسِلُ نَاقَتِي وَأَتَوَكَّلُ فَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا بَلْ اعْقِلْهَا وَتَوَكَّلْ».
وَنَظِيرُ هَذَا الدُّعَاءِ، فَقَدْ أُمِرْنَا بِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 32] وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ مَا قُدِّرَ لِأَحَدٍ، فَهُوَ يَأْتِيهِ لَا مَحَالَةَ ثُمَّ أَحَدٌ لَا يَتَطَرَّقُ بِهَذَا إلَى تَرْكِ السُّؤَالِ وَالدُّعَاءِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - كَانُوا يَسْأَلُونَ الْجَنَّةَ مَعَ عِلْمِهِمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ، وَقَدْ وَعَدَهُمْ ذَلِكَ، وَهُوَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَكَانُوا يَأْمَنُونَ الْعَاقِبَةَ ثُمَّ كَانُوا يَسْأَلُونَ اللَّهَ تَعَالَى ذَلِكَ فِي دُعَائِهِمْ وَكَذَا أَمْرُ الشِّفَاءِ فَالشَّافِي هُوَ اللَّهُ، وَقَدْ أُمِرْنَا بِالْمُدَاوَاةِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ مَا خَلَقَ دَاءً إلَّا وَخَلَقَ لَهُ دَوَاءً إلَّا السَّامُّ أَوْ قَالَ الْهَرَمُ»، وَقَدْ «فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ دَاوَى مَا أَصَابَهُ مِنْ الْجِرَاحَةِ فِي وَجْهِهِ» ثُمَّ اكْتِسَابُ السَّبَبِ بِالْمُدَاوَاةِ لَا يَنْفِي التَّيَقُّنَ

نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 30  صفحه : 249
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست