responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 30  صفحه : 252
إنَّمَا يَنْفَعُ نَفْسَهُ؛ لِأَنَّهُ بِفِعْلِهِ يُحَصِّلُ النَّجَاةَ لِنَفْسِهِ وَيُحَصِّلُ الثَّوَابَ لِجِسْمِهِ وَمَا كَانَ أَعَمَّ نَفْعًا.
، فَهُوَ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «خَيْرُ النَّاسِ مَنْ يَنْفَعُ النَّاسَ»، وَلِهَذَا كَانَ الِاشْتِغَالُ بِطَلَبِ الْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنْ التَّفَرُّغِ لِلْعِبَادَةِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ أَعَمُّ، وَلِهَذَا كَانَتْ الْإِمَارَةُ وَالسَّلْطَنَةُ بِالْعَدْلِ أَفْضَلُ مِنْ التَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ، كَمَا اخْتَارَهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَعَمُّ نَفْعًا وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ «الْعِبَادَةُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ» وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْجِهَادُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ تِسْعَةٌ مِنْهَا فِي طَلَبِ الْحَلَالِ لِلْإِنْفَاقِ عَلَى الْعِيَالِ» وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ بِالْكَسْبِ يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ أَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ مِنْ الْجِهَادِ وَالْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَالْإِحْسَانِ إلَى الْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ، وَفِي التَّفَرُّغِ لِلْعِبَادَةِ لَا يَتَمَكَّنُ إلَّا مِنْ أَدَاءِ بَعْضِ الْأَنْوَاعِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْآخَرِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ مَا اشْتَغَلُوا بِالْكَسْبِ فِي عَامَّةِ الْأَوْقَاتِ، وَلَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ أَنَّ اشْتِغَالَهُمْ بِالْعِبَادَةِ فِي عُمْرِهِمْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ اشْتِغَالِهِمْ بِالْكَسْبِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْتَارُونَ لِأَنْفُسِهِمْ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَعْلَى مَنَاهِجِ الدِّينِ طَرِيقُ الْمُرْسَلِينَ - عَلَيْهِمْ السَّلَامُ - وَكَذَا النَّاسُ فِي الْعَادَةِ إذَا أَحْرَجَهُمْ أَمْرٌ يَحْتَاجُونَ إلَى دَفْعِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ يَشْتَغِلُونَ بِالْعِبَادَاتِ لَا بِالْكَسْبِ وَالنَّاسُ إنَّمَا يَتَقَرَّبُونَ إلَى الْعُبَّادِ دُونَ الْمُكْتَسِبِينَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الِاكْتِسَابَ يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ جَمِيعًا فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ الْقَوْلُ بِتَقْدِيمِهِ عَلَى مَا لَا يَصِحُّ إلَّا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً وَهِيَ الْعِبَادَةُ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ قَالَ أَحْمَزُهَا» أَيْ أَشَقُّهَا عَلَى الْبَدَنِ، وَإِنَّمَا أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الْمَرْءَ يَنَالُ أَعْلَى الدَّرَجَاتِ بِمَنْعِ النَّفْسِ هَوَاهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى} [النازعات: 40] الْآيَةَ
وَالِاشْتِغَالُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فِي الِانْتِهَاءِ وَالدَّوَامُ فِي الْعِبَادَاتِ فَأَمَّا الْكَسْبُ فَفِيهِ بَعْضُ التَّعَبِ فِي الِابْتِدَاءِ، وَلَكِنَّهُ فِيهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ فِي الِانْتِهَاءِ وَتَحْصِيلُ مُرَادِ النَّفْسِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِأَنَّ مَا يَكُونُ بِخِلَافِ هَوَى النَّفْسِ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً، فَهُوَ أَفْضَلُ، وَلَا يَدْخُلُ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا النِّكَاحُ، فَإِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالنِّكَاحِ أَفْضَلُ عِنْدَنَا مِنْ التَّخَلِّي لِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَفْضَلَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى وَأُمَّةِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَتَحْقِيقِ مُبَاهَاةِ رَسُولِ اللَّهِ بِهِمْ، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ هُنَا فَكَانَ التَّفَرُّغُ لِلْعِبَادَةِ أَفْضَلَ مِنْ الِاشْتِغَالِ بِالْكَسْبِ بَعْد مَا يُحَصِّلُ مَا لَا بُدَّ مِنْهُ

، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى مَسْأَلَةٍ أُخْرَى اخْتَلَفَ فِيهَا الْعُلَمَاءُ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - وَهِيَ أَنَّ صِفَةَ الْفَقْرِ أَعْلَى أَمْ صِفَةَ الْغِنَى
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ صِفَةَ الْفَقْرِ أَعْلَى وَقَالَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ: صِفَةُ الْغِنَى أَعْلَى، وَقَدْ أَشَارَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ

نام کتاب : المبسوط نویسنده : السرخسي    جلد : 30  صفحه : 252
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست