الْبَاجِيُّ أَشَارَ فِي الْجَوَازِ إِلَى مَا فِي الْخِلَافِ مِنَ الْمَعْنَى الْمُتَقَدِّمِ[1]، وَلَا يَكُونُ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ خِلَافٌ فِي الْمَعْنَى.
وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ بِأَنَّ الخلاف[2] متأخر عن تقرير[3]، وَالْحُكْمُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى عِلَّتِهِ قَالَ الْبَاجِيُّ[4]: "ذَلِكَ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، كَالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّ الْحُكْمَ يَثْبُتُ بِهِ وَإِنْ حَدَثَ فِي عَصْرِنَا". [1] وهو التأويل السابق الذي أجاب به من لقيه من علماء فاس وتونس، وإذا كان كذلك لا يكون بين القولين خلاف؛ فإن المانع يمنعه باعتبار ما قبل الوقوع، والمصحح يراعيه باعتباره ما بعد الوقوع؛ لأنه بعد الوقوع صالح للعلية بخلاف قبل الوقوع لما ذكرناه قبل هذا، وحمل كلامه على هذا أولى مما حمله عليه بعضهم من التقييد السابق بقوله: "لمعنى فيه"؛ لأنه لم يرض هذا الفرق ونقضه بالطرد ونحوه، أما الجواب السابق، فإنه سلمه، وقلنا: إنه سيقرره في المسألة العاشرة مع شرحه وتوجيهه، وضرب أمثلة كثيرة له هناك. "د".
قلت: يرد "د" في كلامه هذا على "ف"، حيث قال: "وهو التقييد المشار إليه بقوله لمعنى فيه.... إلخ، وحينئذ لا يكون بين القول باعتبار الخلاف علة والقول بعدم اعتباره خلاف في المعنى؛ لأن اعتباره إذا كان صالحًا للعلية وعدم اعتباره إذا لم يكن كذلك". [2] أي: الذي جعل علة للحكم. "د". [3] أي: بمتقتضى الأدلة المتلقاة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. "د". [4] في كتابه "إحكام الفصول" "ص646/ رقم 688"، والمذكور فيه تصرف من المصنف، ومنه تظهر مقدرته رحمه الله على تلخيص كلام العلماء بعبارات مختصرة ليس فيها حشو ولا زيادة، قارن ما ذكره بنص الباجي، وهذا لفظه: "أما هم -المانعون-؛ فاحتج من نص قولهم بأن الاختلاف حدث بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، والحكم ثبت في زمانه، والحكم لا يجوز أن يتقدم على علته.
والجواب: أنه لا يمتنع أن يكون الاختلاف متأخرًا عن زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وثبتت به الأحكام، ألا ترى أن الإجماع حدث بعده صلى الله عليه وسلم، ويصح أن يحدث في عصرنا ويثبت به الحكم؟
وجواب آخر: وهو أن معنى قولنا "إنه مختلف فيه".... حاله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ثبت له هذا الحكم، فلم يتقدم على علته".