وَأَيْضًا: "فَمَعْنَى قَوْلِنَا: "إِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ"[1] أَنَّهُ يُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ، وَهَذَا كَانَ حَالُهُ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَى عِلَّتِهِ".
وَالْجَوَابُ عَنْ كَلَامِ الْبَاجِيِّ أَنَّ الْإِجْمَاعَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلْحُكْمِ، بَلْ هُوَ أَصْلُ[2] الْحُكْمِ، وَقَوْلُهُ: "إِنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَذَا" هِيَ عَيْنُ[3] الدَّعْوَى.
فَصْلٌ:
وَمِنَ الْقَوَاعِدِ[4] الْمَبْنِيَّةِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يُقَالَ: هَلْ لِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْجَمْعِ، حَتَّى يَعْمَلَ بِمُقْتَضَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِعْلًا أَوْ تَرْكًا[5] كَمَا يَفْعَلُهُ الْمُتَوَرِّعُونَ فِي التُّرُوكِ[6]، أَمْ لَا؟ أَمَّا فى ترك العمل[7] بهما [1] أي: فإذا وقع التعليل بكون الشيء مختلفًا فيه؛ فمعناه ما ذكر، وحينئذ لا يكون متأخرًا عن الحكم. "ف". [2] أي أن الحكم الذي استند إلى الإجماع هو عين الحكم الذي تقرر من كل مجتهد أخذًا من الأدلة؛ فليس هناك علة ومعلول، بخلاف الحكم المستند إلى الخلاف، فإنه غير الحكم المتقدم، والخلاف علة في هذا الحكم الطارئ، فمثلًا التكبير للركوع ناسيًا تكبيرة الإحرام اختلف فيه بالإجزاء وعدمه؛ فبعد الوقوع يقول الثاني بالتمادي مراعاة للقول بالإجزاء؛ فالحكم المترتب على الخلاف مغاير للحكم المختلف فيه. "د".
قلت: انظر "مجموع فتاوى ابن تيمية" "19/ 138-139". [3] لعل صوابه: "غير الدعوى"؛ لأن الدعوى أن الحكم الذي نقرره إنما جاء بسبب الخلاف، وقد بني عليه، وهذا غير المعنى الذي يدعيه من أنه لم يراع فيه إلا مجرد كونه محلًا للاجتهاد. "د". [4] في "ماء": "الفوائد". [5] بأن يصرف أحدهما إلى الآخر؛ فيرجع مقتضاهما إما إلى الفعل، أو إلى الترك، وقد يحمل أحدهما على الفعل في حال والآخر على الترك في حال. "ف". [6] أي عند ترجيح دليل الجواز على دليل المنع، فيراعون القول بالتحريم تنزهًا عن الشبهات، كما قال ابن العربي؛ القضاء بالراجح لا يقطع حكم المرجوح بالكلية، بل يجيب* العطف على المرجوح بحسب مرتبته؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: "واحتجبي منه يا سودة"، وهذا مستند مالك فيما كره أكله؛ فإنه حكم بالحل عند ظهور الدليل، وأعطى المعارض شيئًا من أثره؛ فحكم بالكراهة. "د". [7] محل البيان قوله: "وأما في العمل ... إلخ"، وهذا زائد على المبين. "ف".
* كذا في الأصل، ولعلها: "يجب".