الْحُكْمَ [عَلَيْهِ] بِالِاسْتِنْبَاطِ، وَيَكُونُ هَذَا الْقَلْبُ أَرْجَحَ؛ لِأَنَّهُ مَائِلٌ إِلَى جَانِبِ الِاحْتِيَاطِ، وَهَكَذَا كُلُّ[1] مَسْأَلَةٍ تُفْرَضُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.
وَالثَّانِي[2]: أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ جَائِزٍ وَاقِعًا، بَلِ الْوُقُوعُ مُحْتَاجٌ إِلَى دَلِيلٍ، أَلَا تَرَى أَنَّا نَقُولُ: يَجُوزُ أَنْ يَنُصَّ الشَّارِعُ عَلَى أَنَّ مَسَّ الْحَائِطِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَأَنَّ شُرْبَ الْمَاءِ السُّخْنِ يُفْسِدُ الْحَجَّ، وَأَنَّ الْمَشْيَ مِنْ غَيْرِ نَعْلٍ يُفَرِّقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ هَذَا التَّجْوِيزُ سَبَبًا فِي وَضْعِ الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ عِلَلًا شَرْعِيَّةً بِالِاسْتِنْبَاطِ؛ فَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ نَفْسَ التَّجْوِيزِ لَيْسَ بِمُسَوِّغٍ لِمَا قَالَ.
فَإِنْ قَالَ: إِنَّمَا أَعْنِي مَا[3] يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِمَعْنًى فِيهِ مِنْ مُنَاسَبَةٍ أَوْ شَبَهٍ، وَالْأَمْثِلَةُ الْمَذْكُورَةُ لَا مَعْنًى فِيهَا يُسْتَنَدُ إِلَيْهِ فِي التَّعْلِيلِ.
قِيلَ: لَمْ تُفَصِّلْ أَنْتَ هَذَا التَّفْصِيلَ، وَأَيْضًا؛ فَمِنْ طُرُقِ[4] الِاسْتِنْبَاطِ مَا لَا يَلْزَمُ فِيهِ ظُهُورُ مَعْنًى يُسْتَنَدُ إِلَيْهِ؛ كَالِاطِّرَادِ وَالِانْعِكَاسِ وَنَحْوِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يكون [1] أي: سواء أكانت فيما فرضه هو من الطهارة بالدباغ أم في غيرها. "د". [2] منع للتقريب، أي: مع تسليم أَنَّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً بِالنُّطْقِ جاز أن يكون علة بالاستنباط؛ فمجرد الجواز المذكور لا يفيد اعتبار الخلاف علة في الحكم، وإنما يفيده لو وقع كذلك، ألا ترى الأمثلة المذكورة؟ "ف". [3] بيان لتقريب الدليل بتقييد قوله: "ما جاز أن يكون علة.... إلخ"؛ أي: مما اشتمل على معنى فيه مناسبة أو شبه، والأمثلة المذكورة ليست كذلك. "ف". [4] أي: من مسالك العلة الطرد والعكس، وهو المسمى بالدوران، وقوله: "ونحوه"؛ أي: كالطرد الذي هو عبارة عن وجود الحكم في جميع الصور المغايرة لمحل النزاع، والفرق بينهما أن الدوران يكون في صورة واحدة يوجد الحكم عند الوصف ويرتفع عند ارتفاعه، كالحرمة مع السكر في العصير، فإنه لما لم يكن مسكرًا حل، فلما حدث السكر حرم، فلما زال بالخلية حل، ولا تظهر فيهما المناسبة، أي المعنى الذي يتلقاه العقلاء بالقبول في ترتيب الحكم عليه، فما فرقت به غير تام. "د".