ثم بدأ الخطيبُ رَدَّه على هذا الرأي قائلاً: ((قلت: وأهل العلم بالحديث مُجْمِعون على أن قول المحدّث: (حدثنا فلان عن فلان) صحيحٌ معمولٌ به، إذا كان شيخه الذي ذكره يُعرف أنه قد أدرك الذي حدّث عنه ولقيه وسمع منه، ولم يكن هذا المحدِّثُ ممن يُدَلِّس. . .)) (1) .
ثم أسند الخطيب إلى الإمام الشافعي، وأورد كلامه الذي نقلناه عنه آنفًا من كتابه (الرسالة) ، والذي هو نصٌّ صريح على أن الشافعي على مذهب مسلم. أورده الخطيب على طريقة المستدِلِّ به، لا المخالِفِ له ولا المتعقِّبِ عليه.
فهل كلام الخطيب هذا يدل على أنه على مذهب البخاري؟
فأوّل ما أبدأ به الإجابةَ: هو أن أقول تَنزُّلاً: إن كُلَّ الذي يدلّ عليه كلام الخطيب: أن الحديث المعنعن بين راويين عُرف لقاؤهما وسماعهما وسَلِمَ الراوي من التدليس أنه يكون صحيحًا معمولاً به، وهذا لا شك أنّه موطنُ إجماعٍ كما قال الخطيب، لا يُخالف فيه الإمامُ مسلمٌ ولا غيره ممن هو على رأي مسلم. وليس في كلام الخطيب أنّ ما سوى ذلك مردودٌ غير ومقبول، ولا يمكن أن يقول الخطيب ذلك!!
فأمّا أنَّ كلام الخطيب ليس فيه مخالفةٌ لمذهب مسلم: فهذا واضحٌ لمن تأمّل كلامه، كما أوضحناه آنفًا.
وأمّا أن الخطيب لا يمكن أن يكون كلامه السابق فيه مخالفةٌ لمذهب مسلم، فلأنّ الخطيب نقل الإجماعَ على الرأي الذي ذكره، ولا
(1) الكفاية للخطيب (328) .