قال الخطيب في (الكفاية) : ((وأمّا قول المحدّث: (قال فلان) ، فإن كان المعروف من حاله أنه لا يروي إلا ما سمعه= جُعل ذلك بمنزلة ما يقول فيه غيره (حدّثنا) . وإن كان قد يروي سماعًا وغير سماع= لم يُحْتَجَّ من رواياته إلا ما بيَّنَ الخبر فيه)) (1) .
فظاهرٌ من هذه العبارة أن الخطيب لا يشترط لقبول (قال) إلا انتفاء التدليس، وهذا هو مذهب مسلم.
ويؤكد الخطيبُ معنى كلامه، وأنه لا يشترط في (قال) إلا انتفاء التدليس، وأنه إنما أراد بقوله: ((فإن كان المعروفُ من حاله. .)) عدمَ التدليس، لا أمرًا آخر= أنه قال عقب كلامه السابق: ((قلت: والحكم الذي ذكرناه إنما فيمن روى غير سماع وكان ممن يجوز عليه التدليس وأَخْذُ الأحاديث من كل جهة. .)) ، ثم أورد أخبارًا تدل على أن (قال) لها دلالة عُرفيّة (مثل: عن) ، هذه الدلالة هي الاتّصال بالسماع ونحوه.
فإذا كان هذا هو حكم (قال) عند الخطيب، وهي في دلالتها العرفيّة على الاتّصال أضعف (أو قُل: أخفى) من دلالة (عن) عليه، فماذا سيكون حكم الخطيب في (عن) ؟
بعد أن انتهى الخطيب من حُكم (قال) ، أورد بعده مباشرةً الكلام عن حكم (عن) . وأوّل ما بدأ به فيها: أن أسند إلى الرامهرمزي ما نقله في كتابه (المحدث الفاصل) عن بعض المتأخرين من الفقهاء (حسب تغبير الرامهرمزي) ، أنه لا يقبل العنعنة مطلقًا (2) .
(1) الكفاية للخطيب (326) .
(2) المحدّث الفاصل للرامهرمزي (رقم 539) ، والكفاية للخطيب (327- 328) .