responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3227
الْقَلْبِ حَتَّى ضَاقَ، وَانْكَمَدَ، وَهَلِ السِّجْنُ إِلَّا تَضْيِيقٌ وَحَجْزٌ مِنَ الْخُرُوجِ وَالْوُلُوجِ، فَكُلَّمَا هَمَّ الْقَلْبُ بِالتَّبَرُّؤِ عَنْ مَشَائِمِ الْأَهْوَاءِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَالتَّخَلُّصِ عَنْ قُيُودِ الشَّهَوَاتِ الْعَاجِلَةِ تَسَبُّبًا إِلَى الْآجِلَةِ، وَتَنَزُّهًا فِي فَضَاءِ الْمَلَكُوتِ، وَمَشَاهَدَةً لِلْجَمَالِ الْأَزَلِيِّ حَجَزَهُ الشَّيْطَانُ الْمَرْدُودُ مِنْ هَذَا الْبَابِ الْمَطْرُودِ بِالِاحْتِجَابِ، فَيُدْلَى بِحَسَبِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ إِلَيْهِ، فَكَدَّرَ صَفْوَ الْعَيْشِ عَلَيْهِ، وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَحْبُوبِ طَبْعِهِ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ السُّجُونِ وَأَضْيَقِهَا، فَإِنَّ مَنْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَحْبُوبِهِ ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ حَيْثُ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ الْغَزَوَاتِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ} [التوبة: 118] الْآيَةَ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَكَذَا أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ سَلْمَانَ، وَالْبَزَّارُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَالْحَاكِمِ عَنِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَلَفْظُهُ: " «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَسَنَتُهُ فَإِذَا فَارَقَ الدُّنْيَا فَارَقَ السِّجْنَ وَالسَّنَةَ» ". وَالسَّنَةُ: بِفَتْحِ أَوَّلِهِ الْقَحْطُ وَالْجَدَبُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو قَالَ: ( «إِنَّ الدُّنْيَا جَنَّةُ الْكَافِرِ وَسِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُؤْمِنِ حِينَ تَخْرُجُ نَفْسُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ كَانَ فِي سِجْنٍ فَأُخْرِجَ مِنْهُ فَجَعَلَ يَتَقَلَّبُ فِي الْأَرْضِ وَيَتَفَسَّحُ فِيهَا» ) . وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ نَحْوَهُ، وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَبِي ذَرٍّ: ( «يَا أَبَا ذَرٍّ! إِنَّ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَالْقَبْرَ أَمْنُهُ، وَالْجَنَّةَ مَصِيرُهُ. يَا أَبَا ذَرٍّ! إِنَّ الدُّنْيَا جَنَّةُ الْكَافِرِ، وَالْقَبْرَ عَذَابُهُ، وَالنَّارَ مَصِيرُهُ» ) . وَرَوَى ابْنُ لَالَ عَنْ عَائِشَةَ: الدُّنْيَا لَا تَصْفُو لِمُؤْمِنٍ، كَيْفَ وَهِيَ سِجْنُهُ وَبَلَاؤُهُ.

5159 - وَعَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا» ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5159 - (وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً» ) : قَالَ شَارِحٌ: أَيْ لَا يُضِيعُ أَجْرَ حَسَنَةِ الْمُؤْمِنِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ حَاصِلُ الْمَعْنَى، وَأَمَّا بِحَسَبِ التَّرْكِيبِ وَالْمَعْنَى، فَالظَّالِمُ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا} [يونس: 44] وَفِي الْقَامُوسِ: ظَلَمَهُ حَقَّهُ أَيْ: مَنَعَهُ إِيَّاهُ، فَالْحَدِيثُ تَفْسِيرٌ لِمَا فِي الْقُرْآنِ، وَتَبْيِينٌ لِمَا فِيهِ مِنْ نَوْعَيْ جِنْسِ الْإِنْسَانِ، وَبَيَانُ أَنَّ اللَّهَ يُجَازِي عِبَادَهُ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ عَلَى النَّقِيرِ وَالْقِطْمِيرِ، وَالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، إِمَّا فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا فِي الْعُقْبَى، كَمَا قَالَ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ - وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 40] وَلِذَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ كَانَ لِي حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ لَكَفَتْنِي، بِنَاءً عَلَى الْمُضَاعَفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَالْمَثُوبَةِ الْعَظِيمَةِ الْمَسْطُورَةِ. (يُعْطَى) : اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ: يُعْطَى الْمُؤْمِنُ كُلَّ خَيْرٍ (بِهَا) أَيْ: بِسَبَبِ تِلْكَ الْحَسَنَةِ (فِي الدُّنْيَا) : مِنْ رَفْعِ الْبَلَاءِ وَتَوْسِعَةِ الرِّزْقِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النَّعْمَاءِ.
وَفِي نُسْخَةٍ بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ أَيْ: يُعْطِي اللَّهُ إِيَّاهُ بِتِلْكَ الْحَسَنَةِ أَجْرًا فِي الدُّنْيَا (وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ) : عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ أَوِ الْفَاعِلِ طِبْقَ مَا قَبْلَهُ (وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطْعَمُ) : بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ لَا غَيْرَ أَيْ: يُعْطَى، وَفِي الْعُدُولِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَطْمَحَ نَظَرِ الْكَافِرِ فِي الْعَطَاءِ إِنَّمَا هُوَ بَطْنُهُ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُجْزَى (بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا لِلَّهِ) أَيْ: مِنْ إِطْعَامِ فَقِيرٍ وَإِحْسَانٍ لِيَتِيمٍ وَإِغَاثَةِ مَلْهُوفٍ وَنَحْوِهَا مِنْ طَاعَاتٍ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّتِهَا الْإِسْلَامُ (فِي الدُّنْيَا) : ظَرْفٌ لِيُطْعَمُ (حَتَّى إِذَا أَفْضَى) أَيْ: وَصَلَ (إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ) : بِالتَّأْنِيثِ وَتُذَكَّرُ أَيْ: لَمْ يَبْقَ وَلَمْ يُوجَدْ (لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا) : فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا. وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَوْلُهُ: لَا يَظْلِمُ لَا يُنْقِصُ، وَهُوَ مُعَدًّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ أَحَدُهُمَا (مُؤْمِنًا) وَالْآخَرُ (حَسَنَةً) ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا اكْتَسَبَ حَسَنَةً يُكَافِئُهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ يُوَسِّعَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ وَيَرْغُدَ عَيْشَهُ فِي

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3227
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست