responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3226
فَلْيَتَفَكَّرْ بِأَيِّ مِقْدَارٍ مِنَ الْبَلَّةِ الْمُلْتَصِقَةِ مِنَ الْيَمِّ يَرْجِعُ أُصْبُعُهُ إِلَى صَاحِبِهِ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى بِمَ يَرْجِعُ الْحَالُ وَيَنْتَقِلُ الْمَآلُ؟ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مِنَحَ الدُّنْيَا وَمِحَنَهَا فِي كَسْبِ الْجَاهِ وَالْمَالُ مِنَ الْأُمُورِ الْفَانِيَةِ السَّرِيعَةِ الزَّوَالِ، فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَفْرَحَ وَيَغْتَرَّ بِسَعَتِهَا، وَلَا يَجْزَعَ وَيَشْكُوَ مِنْ ضِيقِهَا، بَلْ يَقُولُ فِي الْحَالَتَيْنِ: «لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ» ! فَإِنَّهُ قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّةً فِي يَوْمِ الْأَحْزَابِ، وَأُخْرَى فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ وَجَمْعِيَّةُ الْأَصْحَابِ، ثُمَّ يَعْلَمُ أَنَّ الدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الْآخِرَةِ، وَأَنَّ الدُّنْيَا سَاعَةٌ فَيَصْرِفُهَا فِي الطَّاعَةِ. قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: وُضِعَ مَوْضِعُ قَوْلِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ كَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَحْضِرُ تِلْكَ الْحَالَةَ فِي مُشَاهَدَةِ السَّامِعِ، ثُمَّ يَأْمُرُهُ بِالتَّأَمُّلِ وَالتَّفَكُّرِ هَلْ يَرْجِعُ بِشَيْءٍ أَمْ لَا؟ وَهَذَا تَمْثِيلٌ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيبِ وَإِلَّا فَأَيْنَ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْمُتَنَاهِي وَغَيْرِ الْمُتَنَاهِي؟ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَكَذَا أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ.

5157 - وَعَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَرَّ بِجَدْيٍ أَسَكَّ مَيِّتٍ قَالَ: " أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟ فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ! قَالَ: فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا عَلَيْكُمْ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5157 - (وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَرَّ بِجَدْيٍ) أَيْ: وَلَدِ مَعِزٍ (أَسَكَّ) : بِتَشْدِيدِ الْكَافِ أَيْ: صَغِيرِ الْأُذُنِ أَوْ عَدِيمِهَا أَوْ مَقْطُوعِهَا (مَيِّتٍ قَالَ: " أَيُّكُمْ يُحِبُّ أَنَّ هَذَا لَهُ بِدِرْهَمٍ؟) أَيْ: مَثَلًا (فَقَالُوا: مَا نُحِبُّ أَنَّهُ لَنَا بِشَيْءٍ) أَيْ: بِشَيْءٍ مَا مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الشَّيْءِ مِنْ تُرَابٍ وَغَيْرِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّا لَا نُحِبُّهُ بِلَا شَيْءٍ أَيْضًا (قَالَ: " فَوَاللَّهِ لَلدُّنْيَا) أَيْ: لَجَمِيعُ أَنْوَاعِ لَذَّاتِهَا (أَهْوَنُ) أَيْ: أَسْهَلُ وَأَحْقَرُ وَأَذَلُّ " عَلَى اللَّهِ " أَيْ: عِنْدَهُ تَعَالَى " مِنْ هَذَا " أَيْ: مِنْ هَوَانِ هَذَا الْجَدْيِ " عَلَيْكُمْ ": وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَيَأْتِي أَنَّ الدُّنْيَا إِنْ كَانَتْ تَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ مَا سَقَى فِيهَا كَافِرًا شَرْبَةَ مَاءٍ، وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّزْهِيدُ فِي الدُّنْيَا، وَالتَّرْغِيبُ فِي الْعُقْبَى ; فَإِنَّ حُبَّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ عَلَى مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا، مَا أَنَّ تَرْكَ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ عِبَادَةٍ، وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مُحِبَّ الدُّنْيَا وَلَوِ اشْتَغَلَ بِأُمُورِ الدِّينِ تَكُونُ أَعْمَالُهُ مَدْخُولَةً بِأَغْرَاضٍ فَاسِدَةٍ، وَتَارِكَ الدُّنْيَا وَلَوِ اشْتَغَلَ بِأَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ يَكُونُ لَهُ مَطْمَعٌ أُخْرَوِيٌّ، وَلِذَا قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ مِنْ أَرْبَابِ الْيَقِينِ: مَنْ أَحَبِّ الدُّنْيَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى هِدَايَتِهِ جَمِيعُ الْمُرْشِدِينَ، وَمَنْ تَرَكَ الدُّنْيَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ضَلَالَتِهِ جَمِيعُ الْمُفْسِدِينَ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .

5158 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5158 - (وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ» ) أَيْ: كَالسَّجْنِ لِلْمُؤْمِنِ فِي جَنْبِ مَا أَعَدَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الثَّوَابِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، وَكَالْجَنَّةِ لِلْكَافِرِ فِي جَنْبِ مَا أَعَدَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعَذَابِ الْأَلِيمِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ عَرَضَ نَفْسَهُ عَنِ الْمَلَاذِ وَأَخَذَهَا بِالشَّدَائِدِ، فَكَأَنَّهُ فِي السِّجْنِ، وَالْكَافِرَ فَرَّجَهَا بِالشَّهَوَاتِ فَهِيَ لَهُ كَالْجَنَّةِ، كَذَا ذُكِرَ فِي الْفَائِقِ. وَيُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْأَخِيرَ مَا قَالَهُ فُضَيْلُ بْنِ عِيَاضٍ: مَنْ تَرَكَ لَذَّاتِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا فَهُوَ فِي سِجْنٍ، فَأَمَّا الَّذِي لَا يَتْرُكَ لَذَّاتِهَا وَتَمَتُّعَاتِهَا فَأَيُّ سَجْنٍ عَلَيْهِ؟ وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّ مَرَاتِبَ السِّجْنِ وَمَنَازِلَهُ مُخْتَلِفَةٌ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ أَهْلِهِ، مَعَ أَنَّ لَا يَخْلُو أَحَدٌ مِنْ ضِيقِ التَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ مِنِ ارْتِكَابِ الْوَاجِبَاتِ الْفِعْلِيَّةِ، وَاجْتِنَابِ الْأُمُورِ الْمَنْهِيَّةِ، وَكَذَا مِنْ مَشَقَّاتِ الْأَحْوَالِ الْكَوْنِيَّةِ مِنَ الْبَرْدِ وَالْحَرِّ فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَالْبَلَاءِ وَالْغَلَاءِ وَمَوْتِ الْأَحِبَّاءِ وَغَلَبَةِ الْأَعْدَاءِ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِنِ ابْتِدَاءِ خَلْقِ النُّطْفَةِ وَأَطْوَارِهَا فِي مَشِيمَةِ الْبَطْنِ إِلَى الظُّهُورِ فِي الْمَهْدِ وَالْبُطُونِ فِي اللَّحْدِ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ أَنْوَاعِ الْكَدِّ وَالْكَبَدِ، وَلِذَا قَالَ تَعَالَى {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4] أَيْ: لَا يَزَالُ فِي تَعَبٍ عَظِيمٍ مَبْدَؤُهُ ظُلْمَةُ الرَّحِمِ وَمَضِيقُهُ، وَمُنْتَهَاهُ الْمَوْتُ وَمَا بَعْدَهُ إِلَى أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَهُ هَذَا السِّجْنَ، إِمَّا إِلْبَاسُ الْخُلَعِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْقَرَارُ فِي الْمَنَاصِبِ الْعَلِيَّةِ، وَإِمَّا تَسْلِيطُ الزَّبَانِيَةِ بِمُوجِبِ الْغَضَبِ الْإِلَهِيِّ عَلَيْهِ، وَنَقْلُهُ مِنَ السَّجْنِ السَّهْلِ الْفَانِي إِلَى الْحَبْسِ الصَّعْبِ الْبَاقِي، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَلَمَّا مَاتَ دَاوُدُ الطَّائِيُّ سُمِعَ هَاتِفٌ يَهْتِفُ: أُطْلِقَ دَاوُدُ مِنَ السِّجْنِ. قَالَ أَبُو حَفْصٍ السُّهْرَوَرْدِيُّ: إِنَّ السَّجْنَ وَالْخُرُوجَ مِنْهُ يَتَعَاقَبَانِ عَلَى قَلْبِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ عَلَى السَّاعَاتِ وَمُرُورِ الْأَوْقَاتِ ; لِأَنَّ النَّفْسَ كُلَّمَا ظَهَرَتْ بِصِفَاتِهَا أَظْلَمَ الْوَقْتُ عَلَى

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3226
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست