responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3173
وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَوْلُهُ: فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ فِيهِ أَقَاوِيلُ. أَحَدُهَا: أَنَّ مَعْنَاهُ الْخَبَرُ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْأَمْرِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِذَا لَمْ يَمْنَعْكَ الْحَيَاءُ فَعَلْتَ مَا شِئْتَ بِمَا تَدْعُوكَ إِلَيْهِ نَفْسُكَ مِنَ الْقَبِيحِ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى ذَهَبَ أَبُو عُبَيْدٍ. وَثَانِيهَا: أَنَّ مَعْنَاهُ الْوَعِيدُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40] أَيِ: اصْنَعْ مَا شِئْتَ، فَإِنَّ اللَّهَ يُجَازِيكَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو الْعَبَّاسِ. وَثَالِثُهَا: مَعْنَاهُ يَنْبَغِي أَنْ تَنْظُرَ إِلَى مَا تُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُسْتَحَى مِنْهُ فَافْعَلْهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْتَحْيَ مِنْهُ فَدَعْهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ، وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادِهِ، ثُمَّ قَالَ جَرِيرٌ: مَعْنَاهُ أَنْ يُرِيدَ الرَّجُلُ أَنْ يَعْمَلَ الْخَيْرَ فَيَدَعَهُ حَيَاءً مِنَ النَّاسِ كَأَنَّهُ يَخَافُ مَذْهَبَ الرِّيَاءِ يَقُولُ: فَلَا يَمْنَعْكَ الْحَيَاءُ مِنْ مُضِيِّ مَا أَرَدْتَ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَهُوَ شَبِيهٌ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ إِذَا جَاءَكَ الشَّيْطَانُ وَأَنْتَ تُصَلِّي، فَقَالَ: إِنَّكَ مُرَاءٍ فَزِدْهَا طُولًا قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُهُ كَلَامُ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ تَرْكُ الْعَمَلِ لِأَجْلِ النَّاسِ رِيَاءٌ، وَالْعَمَلُ لِأَجْلِهِمْ شِرْكٌ، وَالْإِخْلَاصُ أَنْ يُخَلِّصَكَ اللَّهُ مِنْهُمَا. وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ لِلْإِبَاحَةِ أَيْ: إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَفْعَلَ شَيْئًا، فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَسْتَحْيِ مِنَ اللَّهِ، وَمِنَ النَّاسِ فِي فِعْلِهِ فَافْعَلْهُ، وَإِلَّا فَلَا. وَزُبْدَةُ كَلَامِهِ أَنَّكَ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ مِنْ صُنْعِ أَمْرٍ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ارْتِكَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَعَلَى هَذَا مَدَارُ الْإِسْلَامِ وَتَوْجِيهُهُ أَنَّ أَفْعَالَ الْإِنْسَانِ إِمَّا أَنْ يُسْتَحَى مِنْهَا أَمْ لَا. فَالْأَوَّلُ يَشْمَلُ الْحَرَامَ وَالْمَكْرُوهَ، وَتَرْكُهُمَا هُوَ الْمَشْرُوعُ. وَالثَّانِي: يَشْمَلُ الْوَاجِبَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْمُبَاحَ، وَفِعْلُهَا مَشْرُوعٌ فِي الْأَوَّلَيْنِ جَائِزٌ فِي الثَّالِثِ، فَعَلَى هَذَا يَتَضَمَّنُ الْحَدِيثُ الْأَحْكَامَ الْخَمْسَةَ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ: التَّحْقِيقُ أَنَّ الْحَيَاءَ يَنْشَأُ عَنْ عِلْمِ الْقَلْبِ بِأَنَّ اللَّهَ رَقِيبٌ عَلَيْهِ فَيُحَافِظُ ظَاهِرَهُ وَبَاطِنَهُ مِنْ مُخَالَفَةِ أَحْكَامِهِ، وَيَسْتَقْبِحُ مَا صَدَرَ مِنْ هَفَوَاتِهِ، وَيَتَحَمَّلُ أَنْوَاعَ الْبَلَاءِ فِي نَظَرِهِ نَشِيطًا وَلَا يَشْتَكِي إِلَى غَيْرِهِ، فَإِذَا تَرَقَّى عَنْ ذَلِكَ وَتَحَقَّقَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَلَّ جَلَالُهُ وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ أَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ إِلَيْهِ بِلَا رَيْبٍ، اسْتَحْيَا مِنْ قُرْبِهِ فَوْقَ مَا يَسْتَحْيِي مِنْ رُؤْيَتِهِ، فَيَدْعُوهُ ذَلِكَ إِلَى مَحَبَّتِهِ وَالْخَلْوَةِ مَعَهُ مُسْتَوْحِشًا مِنَ الْأَغْيَارِ مُسْتَلِذًّا بِرُوحِ أُنْسِ الْمَلِكِ الْغَفَّارِ، حَتَّى تَطْلُعَ عَلَيْهِ طَوَالِعُ أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ، وَتَلْمَعَ فِي سَرْدِ بِوَارِقِ أَسْرَارِ التَّفْرِيدِ، فَيَسْتَحْيِي مِنْ شُهُودِ مَشْهُودِهِ، فَانِيًا عَنِ الْخَلْقِ بَاقِيًا مَعَ الْحَقِّ. قَالَ الْعَارِفُ السُّهْرَوَرْدِيُّ:
الْحَيَاءُ إِطْرَاقُ الرُّوحِ إِجْلَالًا لِعِظَمِ الْجَلَالِ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ حَيَاءُ إِسْرَافِيلَ، كَمَا وَرَدَ: إِنَّهُ يَسْتَتِرُ بِجَنَاحِهِ حَيَاءً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَحَيَاءُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا قَالَ: إِنِّي لَأَغْتَسِلُ فِي الْبَيْتِ الْمُظْلِمِ. فَأَنْطَوِي حَيَاءً مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قُلْتُ: رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: " «الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ وَأَحْيَا أُمَّتِي عُثْمَانُ» ". (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) : وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ وَأَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ حُذَيْفَةَ.

5072 - وَعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ: " الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5072 - (وَعَنِ النَّوَّاسِ) : بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ (ابْنِ سَمْعَانَ) : بِكَسْرِ السِّينِ وَيُفْتَحُ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ (قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْبِرِّ) أَيِ: الطَّاعَةِ (وَالْإِثْمِ) أَيِ: الْمَعْصِيَةِ (فَقَالَ: الْبِرُّ) أَيْ: أَعْظَمُ خِصَالِهِ أَوِ الْبِرُّ كُلُّهُ مُجْمَلًا (حُسْنُ الْخُلُقِ) أَيْ: مَعَ الْخَلْقِ بِأَمْرِ الْحَقِّ أَوْ مُدَارَاةُ الْخَلْقِ، وَمُرَاعَاةُ الْحَقِّ. قِيلَ: فُسِّرَ الْبِرُّ فِي الْحَدِيثِ بِمَعَانٍ شَتَّى فَفَسَّرَهُ فِي مَوْضِعٍ بِمَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَفَسَّرَهُ فِي مَوْضِعٍ بِالْإِيمَانِ، وَفِي مَوْضِعٍ بِمَا يُقَرِّبُكَ إِلَى اللَّهِ، وَهُنَا بِحُسْنِ الْخُلُقِ، وَفُسِّرَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِاحْتِمَالِ الْأَذَى وَقِلَّةِ الْغَضَبِ وَبَسْطِ الْوَجْهِ وَطِيبِ الْكَلَامِ، وَكُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ فِي الْمَعْنَى ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: الْبِرُّ هُنَا الصِّلَةُ وَالتَّصَدُّقُ وَالطَّاعَةُ، وَيَجْمَعُهَا حُسْنُ الْخُلُقِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: تَلْخِيصُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنْ يُقَالَ: الْبِرُّ اسْمٌ جَامِعٌ لِأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ وَالْأَعْمَالِ الْمُقَرِّبَاتِ، وَمِنْهُ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، وَهُوَ اسْتِرْضَاؤُهُمَا بِكُلِّ مَا أَمْكَنَ، وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْبِرَّ مِنْ خَوَاصِّ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَيْ: كَمَالُ الْبِرِّ إِذْ لَا يُسْتَبْعَدُ أَنْ يُوجَدَ فِي الْأُمَّةِ مَنْ يُوصَفُ بِهِ، وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِمَا مَنْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ: حُسْنُ الْخُلُقِ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ حُسْنِ الْعِشْرَةِ، وَالصُّحْبَةِ مَعَ الْخَلْقِ بِأَنْ يَعْرِفَ أَنَّهُمْ أُسَرَاءُ الْأَقْدَارِ، وَإِنْ كَانَ مَا لَهُمْ مِنَ الْخُلُقِ وَالْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالْأَجَلِ بِمِقْدَارٍ، فَيُحْسِنَ إِلَيْهِمْ حَسَبَ الِاقْتِدَارِ، فَيَأْمَنُونَ مِنْهُ وَيُحِبُّونَهُ بِالِاخْتِيَارِ. قُلْتُ: وَقَدْ أَشَارَ الشَّاطِبِيُّ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ:
يُعَدُّ جَمِيعُ النَّاسِ مَوْلًى لِأَنَّهُمْ ... عَلَى مَا قَضَاهُ اللَّهُ يَجْرُونَ أَفْعُلَا

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3173
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست