responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3174
هَذَا مَعَ الْخَلْقِ، وَأَمَّا مَعَ الْخَالِقِ فَبِأَنْ يَشْتَغِلَ بِجَمِيعِ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ، وَيَأْتِيَ لِأَنْوَاعِ الْفَضَائِلِ عَالِمًا بِأَنَّ كُلَّ مَا أَتَى مِنْهُ نَاقِصٌ يَحْتَاجُ إِلَى الْعُذْرِ، وَكُلَّ مَا صَدَرَ مِنَ الْحَقِّ كَامِلٌ يُوجِبُ الشُّكْرَ، قُلْتُ: وَإِلَيْهِ إِيمَاءٌ فِي قَوْلِ الشَّاطِبِيِّ:
يَرَى نَفْسَهُ بِالذَّمِّ أَوْلَى لِأَنَّهَا ... عَلَى الْمَجْدِ لَمْ تَلْعَقْ مِنَ الصَّبْرِ وَإِلَّا لَا
ثُمَّ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ اللَّهِ بِدَوَامِ الْإِعْرَاضِ عَمَّا سِوَاهُ، وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ وَدَوَامِ ذِكْرِهِ، حَتَّى يَكْتَحِلَ الْقَلْبُ بِنُورِ ذِكْرِ الذَّاتِ فَصَارَ بَحْرًا مَوَّاجًا مِنْ نَسَمَاتِ الْقُرْبِ، وَجَرَى فِي جَدَاوِلِ أَخْلَاقِ النَّفْسِ صَفَاءُ النُّعُوتِ وَالصِّفَاتِ، وَحِينَئِذٍ يَحْصُلُ نِهَايَةُ التَّحْقِيقِ بِعِنَايَةِ التَّوْفِيقِ. (وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ) أَيْ: تَرَدَّدَ وَتَحَرَّكَ وَأَثَّرَ (فِي صَدْرِكَ) : وَرِوَايَةُ الْأَرْبَعِينَ: فِي نَفْسِكَ بِأَنْ لَمْ تَنْشَرِحْ لَهُ وَحَلَّ فِي الْقَلْبِ مِنْهُ الشَّكُّ وَالْخَوْفُ مِنْ كَوْنِهِ ذَنْبًا وَأَقْلَقَهُ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ إِلَيْهِ، قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: يُرِيدُ أَنَّ الْإِثْمَ مَا كَانَ فِي الْقَلْبِ مِنْهُ شَيْءٌ فَلَا يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ، وَالْأَقْرَبُ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ يَتَهَيَّأُ لِمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ دُونَ عُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَالَ شَارِحٌ: يَعْنِي الْإِثْمَ مَا أَثَّرَ قُبْحُهُ فِي نَفْسِكَ أَيْ تَرَدَّدَ فِي قَلْبِكَ وَلَمْ تُرِدْ أَنْ تُظْهِرَهُ لِكَوْنِهِ قَبِيحًا، وَهُوَ الْمَعْنِيُّ بِقَوْلِهِ: (وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) أَيْ: أَعْيَانُهُمْ وَأَمْثَالُهُمْ إِذِ الْجِنْسُ يَنْصَرِفُ إِلَى الْكَامِلِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّفْسَ بِطَبْعِهَا تُحِبُّ اطِّلَاعَ النَّاسِ عَلَى خَيْرِهَا، فَإِذَا كَرِهْتَ الِاطِّلَاعَ عَلَى بَعْضِ أَفْعَالِهَا فَهُوَ غَيْرُ مَا تُقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ، أَوْ غَيْرُ مَا أَذِنَ الشَّرْعُ فِيهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا بِرَّ، فَهُوَ إِذًا إِثْمٌ وَشَرٌّ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) .
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: «الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ» . . . الْحَدِيثَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ، وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ النَّوَّاسِ، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَلَفْظُهُ: «الْبِرُّ مَا سَكَنَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا لَمْ تَسْكُنْ إِلَيْهِ النَّفْسُ، وَلَمْ يَطْمَئِنَّ لَهُ الْقَلْبُ، وَإِنْ أَفْتَاكَ الْمُفْتُونَ» ، هَذَا وُفِي الْأَرْبَعِينَ لِلْإِمَامِ النَّوَوِيِّ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْأَسَدِيِّ قَالَ: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: " جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ؟ " فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: " اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ» " حَدِيثٌ حَسَنٌ رُوِّينَاهُ فِي مُسْنَدَيِ الْإِمَامَيْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَالدَّارِمِيِّ، بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
قَالَ الطِّيبِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْمِشْكَاةِ: مُرَاعَاةُ الْمُطَابَقَةِ تَقْتَضِي أَنَّ نَفْسَ حُسْنِ الْخُلُقِ بِمَا يُقَابِلُ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ، وَهُوَ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَالْقَلْبُ، كَمَا فِي حَدِيثِ وَابِصَةَ، فَوُضِعَ مَوْضِعَهُ حُسْنُ الْخُلُقِ لِيُؤْذِنَ أَنَّ حُسْنَ الْخُلُقِ هُوَ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ الشَّرِيفَةُ الطَّاهِرَةُ مِنْ أَوْضَارِ الذُّنُوبِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ، وَتَبْدِيلِ مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ مِنَ الصِّدْقِ فِي الْمَقَالِ وَاللُّطْفِ فِي الْأَحْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، أَحْسَنَ مُعَامَلَتَهُ مَعَ الرَّحْمَنِ، وَمُعَاشَرَتَهُ مَعَ الْإِخْوَانِ وَصِلَةَ الرَّحِمِ وَالسَّخَاءَ وَالشَّجَاعَةَ أَقُولُ: الْأَحْسَنُ فِي تَحْصِينِ الْمُقَابَلَةِ بَيْنَ الْقَرِينَتَيْنِ الْحُسْنَتَيْنِ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ مُسْتَحْسَنُ الطَّبْعِ الْجِبِلِّيِّ الْفِطْرِيِّ الْعَارِي عَنِ التَّعَلُّقَاتِ التَّقْلِيدِيَّةِ وَالتَّقْيِيدَاتِ الْعُرْفِيَّةِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا خَلَى وَطَبْعُهُ الْأَصْلِيُّ اخْتَارَ الْوَجْهَ الْأَحْسَنَ مِنَ الْعَقَائِدِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْأَفْعَالِ، وَسَائِرِ الْأَحْوَالِ، كَمَا حُقِّقَ فِي حَدِيثِ: " «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ» " وَحَاصِلُ الْجَوَابِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِيعَابِ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَجْزِمَ الْعَقْلُ بِاسْتِحْسَانِهِ، أَوْ بِاسْتِقْبَاحِهِ، أَوْ يَتَرَدَّدَ فِيمَا بَيْنَهُمَا. فَالْأَوَّلُ هُوَ الْبِرُّ وَمَا عَدَاهُ هُوَ الْإِثْمُ، وَهَذَا تَمْهِيدُ قَاعِدَةٍ كُلِّيَّةٍ تَحْتَهَا مَسَائِلُ جُزْئِيَّةٌ فِيمَا لَمْ يُعْرَفْ مِنَ الشَّرْعِ حُسْنُهُ وَقُبْحُهُ عَلَى طَرِيقِ الْيَقِينِ فِي الْعِلْمِيَّاتِ، وَعَلَى سَبِيلِ الظَّنِّ أَيْضًا فِي الْعَمَلِيَّاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

5073 - وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
5073 - (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) : بِالْوَاوِ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ) أَيْ: أَكْثَرِكُمْ مَحَبَّةً لِيَّ أَوْ أَعْظَمِكُمْ مَحْبُوبِيَّةً عِنْدِي (أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا) أَيْ: شَمَائِلَ مَرْضِيَّةً مُرَاعًى فِيهَا حُدُودُ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ، وَقَدْ رَوَاهُ الْحَكِيمُ عَنِ الْعَلَاءِ بْنَ كَثِيرٍ مُرْسَلًا «إِنَّ مَحَاسِنَ الْأَخْلَاقِ مَخْزُونَةً عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا مَنَحَهُ خُلُقًا حَسَنًا» . وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «إِنَّ هَذِهِ الْأَخْلَاقَ مِنَ اللَّهِ، فَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا مَنَحَهُ خُلُقًا حَسَنًا، وَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ سُوءًا مَنَحَهُ سَيِّئًا» ، ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ " مِنْ " زَائِدَةٌ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجَوِّزُ زِيَادَتَهَا فِي الْكَلَامِ الْمُثْبَتِ، أَوِ الْمُرَادُ أَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا مَعَ الْخَلْقِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ: «إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ» ، وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، عَلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: " «خِيَارُكُمْ أَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا» " (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .

نام کتاب : مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح نویسنده : القاري، الملا على    جلد : 8  صفحه : 3174
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست