"وقوله: من تقرب إليَّ بشبر تقربت إليه ذراعاً ... " إلخ، هذا قربه -تعالى- من عابده، وأما قربه من داعيه فكما في الآية: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [1] ، وقربه تعالى من عابده وداعيه قرب خاص، أخص من قرب الإنابة وقرب الإجابة، الذي لم يثبت أكثر المتكلمين سواه" [2] .
"فالداعي والساجد تتوجه روحه إلى الله -تعالى-، والروح لها عروج يناسبها فتقرب من الله -تعالى- بلا ريب، بحسب تخلصها من الشوائب، فيكون الله - عز وجل - منها قريباً، قرباً يلزم منه قربها.
ويكون منه قرب آخر، كقربه عشية عرفة، وفي جوف الليل، وإلى من تقرب منه شبراً، تقرب منه ذراعاً" [3] .
قلت: وبهذا يتبين أن قربه -تعالى- من عباده نوعان:
أولهما: قربه -تعالى- من قلوب المؤمنين، وقرب قلوبهم منه، وهذا أمر معروف لا يجهل، فإن القلوب تصعد إليه على قدر ما فيها من الإيمان والمعرفة به تعالى، وذكره، وخشيته، والتوكل عليه، وهذا متفق عليه بين الناس، لم ينكره منهم أحد.
والثاني: ما دل عليه هذا الحديث - الذي نحن بصدد شرحه - ونحوه، مثل قربه عشية عرفة، وقربه آخر الليل، كما ثبتت بذلك النصوص، وهذا القرب ينكره أكثر المتكلمين، من الجهمية، والمعتزلة، والأشعرية، وإنكاره منكر. [1] الآية 186 من سورة البقرة.
(2) "بدائع الفوائد" (3/8) ملخصاً.
(3) "مجموع الفتاوى" (5/241) .