وقال: "فإذا قرب العبد من ربه بالإنابة إليه، قرب الرب إليه، فيدنو قلبه من ربه، وإن كان بدنه على الأرض، ومتى قرب أحد الشيئين من الآخر، صار الآخر إليه قريباً بالضرورة، وإن قدر أنه لم يصدر من الآخر تحرك بذاته، كما أن من قرب من مكة، قربت مكة إليه" [1] .
وقال أيضاً: "ومن الناس من غلط فظن أن قربه -تعالى- من جنس حركة بدن الإنسان إذا مال إلى جهة انصرف عن الأخرى.
والإنسان يجد عمل روحه يخالف عمل بدنه، فيجد نفسه تقرب من نفوس كثير من الناس، من غير أن ينصرف عمن هي قريبة منه، وكذلك يجد نفسه تبعد بعيداً عن بعض النفوس بعداً غير ما يقوم بالبدن" [2] .
وقال أيضاً: " وليس بين الرب والعبد إلا محض العبودية، فكلما كمل العبد عبودية ربه قرب إليه -تعالى-؛ لأنه - سبحانه - بر، جواد، محسن، يعطى العبد ما يناسبه، فكلما عظم فقره إليه، كان أغنى له، وكلما عظم ذله له، كان أعز له، فإن النفس- لما فيها من أهوائها المتنوعة، وتسويل الشيطان لها - تبعد عن الله -تعالى- حتى تصير ملعونة بعيدة عن الرحمة، واللعنة هي: البعد عن الله ورحمته.
ومن أعظم ذنوب العبد: علوه في الأرض، ونسيانه ربه، ولهذا لما كان السجود هو غاية سفول النفس، صار أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وكذلك الذكر المتضمن للإقبال على الله، والخضوع له " [3] .
(1) "مجموع الفتاوى" (5/509) . [2] المرجع المذكور ببعض التصرف (ص247) . [3] المرجع المذكور بتصرف (ص238) .