وهذا من أقوى أدلة القائلين بتفضيل الملائكة على صالحي بني آدم، وهي مسألة مشهورة، والراجح فيها: أن الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين أفضل من الملائكة، وتفضيل فرد من النوع لا يلزم منه تفضيل النوع كله على الآخر، والله أعلم.
قوله: " وإن تقرب إليَّ بشبر تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليَّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة".
قرب الله -تعالى- من عابده وداعيه، ثبت في نصوص كثيرة، كقوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [1] .
وقوله - صلى الله عليه وسلم-: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" [2] .
فالعبد إذا قرب إلى الله -تعالى- بالتوجه والمحبة، وإخلاص العمل، والصدق في ذلك، فإن الله -تعالى- يقرب إليه أكثر من قربه، فكلما زاد قرب العبد إلى ربه بالطاعة والإنابة والحب والإخلاص، زاد قرب الله إليه، حتى يكون قلب العبد بين يدي ربه، كأنه يشاهده بعينيه، وهو -جل وعلا- على عرشه.
قال شيخ الإسلام: " فكلما تقرب العبد باختياره قدر شبر، زاده الرب قرباً إليه، حتى يكون كالمتقرب إليه بذراع، فكذلك قرب الرب من قلب العابد، وهو ما يحصل في قلب العبد من معرفة الرب، والإيمان به، وهو المثل الأعلى" [3] .
وبهذا يتبين أن معنى قوله: " إذا تقرب إليَّ بشبر تقربت إليه ذراعاً" أن العبد إذا تقرب إلى ربه بطاعته والإقبال عليه، أن الرب تعالى يزيده قرباً إليه، جزاءً من جنس عمله، وأكثر من قرب العبد الذي حصل باختياره. [1] الآية 186 من سورة البقرة. [2] رواه مسلم،: (1/350) ، وأبو داود (1/545) ، والنسائي (2/226) .
(3) "مجموع الفتاوى" (5/510) .