نام کتاب : التصور الفني في القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 58
2- ثم لنعرض مشهدًا من قصة الطوفان: {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَال} . وفي هذه اللحظة الرهيبة، تتنبه في نوح عاطفة الأبوة، فإن هناك ابنا له لم يؤمن، وإنه ليعلم أنه مغرق مع المغرقين.
ولكن ها هو ذا الموج يطغى، فيتغلب "الإنسان" في نفس نوح على "النبي"، ويروح في لهفة وضراعة ينادي ابنه جاهرًا: "ونادى نوح ابنه -وكان في معزل- يا بني اركب معنا، ولا تكن مع الكافرين". ولكن البنوة العاقة لا تحفل هذه الضراعة؛ والفتوة العاتية لا ترى الخلاص إلا في فتوتها، قال: {سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ} . ثم ها هي ذي الأبوة الملهوفة ترسل النداء الأخير، قال: {لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ} . وفي لحظة تتغير صفحة الموقف، فها هي ذي الموجة العاتية تبتلع كل شيء {وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} ...
إن السامع ليمسك أنفاسه في هذه اللحظات القصار؛ {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ} ، ونوح الوالد الملهوف يبعث بالنداء تلو النداء؛ وابنه الفتى المغرور، يأبى إجابة الدعاء؛ والموجة القوية العاتية، تحسم الموقف في لحظة سريعة خاطفة. وإن الهول هنا ليقاس بمداه في النفس الحية -بين الوالد والمولود- كما يقاس بمداه في الطبيعة -حيث يطغى الموج على الذرى والوديان. وإنهما لمتكافئان، في الطبيعة الصامتة، وفي نفس الإنسان.
ثم لننتقل إلى مشاهد القيامة، وإلى صور النعيم والعذاب، قفد كان لها من التصوير الفني أوفى نصيب:
1- {يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ، خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ
نام کتاب : التصور الفني في القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 58