نام کتاب : التصور الفني في القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 33
كما أسند هناك الاشتعال إلى الرأس. وقد حصل بذلك على معنى الشمول ههنا مثل الذي هناك. وذلك أنه قد أفاد أن الأرض قد كانت صارت عيونًا كلها، وأن الماء قد كان يفور من كل مكان فيها. ولو أجري اللفظ على ظاهره فقيل: وفجرنا عيون الأرض، أو العيون في الأرض، لم يفد ذلك، ولم يدل عليه، ولكان المفهوم منه أن الماء قد كان فور من عيون متفرقة في الأرض، وتبجس من أماكن فيها" ...
رحم الله "عبد القاهر" لقد كمان النبع منه على ضربه معول فلم يضربها. إن الجمال في "اشتعل الرأس شيبًا". "وفجرنا الأرض عيونًا" هو في ذلك الذي قاله من ناحية النظم، وفي شيء آخر وراءه، هو هذه الحركة التخييلية السريعة، التي يصورها التعبير: حركة الاشتعال التي تتناول الرأس في لحظة، وحركة التفجير التي تفور بها الأرض في ومضة. فهذه الحركة التخييلية تلمس الحس وتثير الخيال، وتشرك النظر والمخيلة في تذوق الجمال. وهي في "واشتعل الرأس شيبًا" أوضح وأقوى؛ لأن حركة الاشتعال هنا حركة ممنوحة للشيب. وليست له في الحقيقة، وهذه الحركة هي عنصر الجمال الصحيح. يدل على ما نقول، إن الجمال في قولك: "اشتعل البيت نارًا"، لا يقاس ولا يقرب من قول القرآن: {اشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} ، ففي التعبير بالاشتعال عن الشيب جمال، وفي إسناد الاشتعال إلى الرأس جمال آخر، يكمل أحدهما الآخر.
ومن كليها، لا من أحدهما، كان هذا الجمال الباهر! وهذا هو الذي وقف دونه عبد القاهر؛ وإن كان يبدو أنه كان يحسه في ضميره، ولا يصوره كاملا في تعبيره، وليس لنا على أية حال أن
نام کتاب : التصور الفني في القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 33