نام کتاب : التصور الفني في القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 31
الذي ذكرناه هناك، بلغ غاية التوفيق المقدر لباحث في عصره، هو "عبد القاهر الجرجاني". فلقد أوشك أن يصل إلى شيء كبير في كتابه "دلائل الإعجاز" لولا أن قصة "المعاني والألفاظ" ظلت تخايل له من أول الكتاب إلى آخره، فصرفته عن كثير مما كان وشيكًا أن يصل إليه؛ ولكنه على الرغم من ذلك كله كان أنفذ حسًّا من كل من كتبوا في هذا الباب على وجه العموم، حتى في العصر الحديث!
وهذا مثال من توفيقاته التي كان موشكًا أن يصل فيها إلى شيء حاسم. ويجب أن يصبر القارئ على طريقة التعبير، فقد كانت هذه الطريقة هي الزي الشائع في عصره، وهي طريقة "الكلام" والمنطق، بعد دخولها إلى لغة الأدب في ذلك الزمان:
"إن في الاستعارة ما لا يمكن بيانه إلا من بعد العلم بالنظم، والوقوف على حقيقته. ومن دقيق ذلك وخفيه أنك ترى الناس إذا ذكروا قوله تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} لم يزيدوا فيه على ذكر الاستعارة، ولم ينسبوا الشرف إلا إليها، ولم يروا للمزية موجبًا سواها، هكذا ترى الأمر في ظاهر كلامهم، وليس الأمر على ذلك، ولا هذا الشرف العظيم، ولا هذه المزية الجليلة، وهذه الروعة التي تدخل على النفوس عند هذا الكلام لمجرد الاستعارة. ولكن لأن يسلك بالكلام طريق ما يسند الفعل فيه إلى شيء، وهو لما هو من سببه، فيرفع به ما يسند إليه، ويؤتي بالذي الفعل له في المعنى منصوبًا بعده، مبينًا أن ذلك الإسناد وتلك النسبة إلى ذلك الأول إنما كان من أجل هذا الثاني، ولما بينه وبينه من الاتصال، كقولهم: طاب زيد نفسًا، وقر عمرو عينًا، وتصبب عرقًا، وكرم أصلًا،
نام کتاب : التصور الفني في القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 31