نام کتاب : التصور الفني في القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 29
المتتابعة المنبعثة من تتابع الآيات. وهو لون من ألوان التناسق الأولية في القرآن.
ولقد حاول بعض المفسرين أن يعثروا على مواضع لهذا التناسق فلم يصلوا إلا للترابط المعنوي في بعض المواضع دون بعضها الآخر ودون الاهتداء إلى قاعدة شاملة. ثم إنهم في أحيان كثيرة تمحلوا في ذلك تمحلا شديدًا.
بقي الباحثون في البلاغة وفي إعجاز القرآن، وكان المنتظر أن يصل هؤلاء -وقد خلي بينهم وبين البحث في صميم العمل الفني في القرآن -أن يصلوا إلى ما لم يصل إليه المفسرون. ولكنهم شغلوا أنفسهم بمباحث عقيمة حول "اللفظ والمعنى" أيهما تكمن فيه البلاغة؛ ومنهم من غلبت عليه روح القواعد البلاغية، فأفسد الجمال الكلي المنسق، أو انصرف عنه إلى التقسيم والتبويب، ووصلوا في هذا وذلك في بعض الأحيان، إلى درجة من الإسفاف لا تطاق.
فانظر إلى تعبير جميل كهذا التعبير: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} . هذا التعبير الذي يرسم صورة حية للخزي في يوم القيامة، ويصور هؤلاء المجرمين شخوصًا قائمة يتملاها الخيال، وتكاد تبصرها العين لشدة وضوحها، وتسجيل هيئتها "ناكسو رؤوسهم" وعند من؟ "عند ربهم" فيخيل للسامع أنها حاضرة لا متخيلة.. هذه الصورة للهول لا تساوي من باحث في البلاغة إلا أن يقول: "وأصل الخطاب أن يكون لمعين، وقد يترك إلى غير معين، كما تقول: فلان لئيم إن أكرمته أهانك،
نام کتاب : التصور الفني في القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 29