نام کتاب : التصور الفني في القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 28
رجل -متأخر نوعًا- كان يقع له بين الحين والحين شيء من التوفيق في إدراك بعض مواضع الجمال الفني في القرآن، -هو الزمخشري- وذلك كقوله في تفسير: "ولما سكت عن موسى الغضب": كأن الغضب كان يغريه على ما فعل ويقول له: "قل لقومك كذا، وألق الألواح، وجر برأس أخيك إليك". وهو توفيق -كما ترى- محدود، ينقصه التبلور والوضوح.
فإن أجمل ما في هذا التعبير هو "تشخيص" الغضب، كأنه إنسان، يقول ويسكت، ويغري ويصمت، فهذا "التشخيص" هو الذي جعل للتعبير جماله، وهو الذي أدركه الزمخشري، ثم لم يحكم التعبير عنه، أو عبر عنه بلغة زمانه فلا تثريب عليه. وكقوله في تفسير سوة الفاتحة: "إن العبد إذا افتتح حمد مولاه الحقيق بالحمد عن قلب حاضر ونفس ذاكرة لما هو فيه بقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} الدال على اختصاصه بالحمد، وأنه حقيق به، وجد من نفسه لا محالة محركًا للإقبال عليه. فإذا انتقل على نحو الافتتاح إلى قوله: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} الدال على أنه مالك للعالمين، لا يخرج منهم شيء عن ملكوته وربوبيته، قوي ذلك المحرك. ثم إذا انتقل إلى قوله: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} الدال على أنه منعم بأنواع النعم جلائلها ودقائقها، تضاعفت قوة ذلك المحرك. ثم إذا انتقل إلى خاتمة هذه الصفات العظام، وهي قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} الدال على أنه مالك للأمر كله يوم الجزاء، تناهت قوته، وأوجب الإقبال عليه، وخطابه بتخصيصه بغاية الخضوع والاستعانة في المهمات: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ....
هذا نوع من التوفيق في تصوير التناسق النفسي، بين الأحاسيس
نام کتاب : التصور الفني في القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 1 صفحه : 28