responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الإمام البقاعي ومنهاجه في تأويل بلاغة القرآن نویسنده : محمود توفيق محمد سعد    جلد : 1  صفحه : 274
يقول الله - جل جلاله -: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة:174)
إذا ما نظرت في هذه الجملة رأيت أنَّ خبر المسند إليه المعبَّر عنه باسم الإشارة جاء جملة بُنِيَتْ من أسلوب قصْرٍ طريقه النفي والاستثناء، والنظر يقف عند كلمتين من عناصرهذه الجملة الواقعة موقع المسند: "يأكلون" و" النّار" فيحسب حاسِبٌ أنّ في كلٍّ تحولا دلاليّا، ولكنّ البقاعي يرى في اصطفاء النفي والاستثناء طرقَ حصر في الآية مانعًا يمنع حسبان التجوز، فيقول:
" وفي ذكره بصيغة الحصر نفي لتأويل المتأول بكونه سببًا، وصرفٌ له إلى وجه التحقيق الذي يناله كشف يقصر عنه الحسّ، فكانوا في ذلك كالحَدِر الذي تحصل يده في الماء ولا يحسّ به، فيشعر ذلك بموت حواس هؤلاء عن حال ما تناولوه " (1)
سياق الآية متحدثٌ عن أولئك الأحبار الكاتمين ما أنزل الله - سبحانه وتعالى - ليشتروا به ثمنا قليلا، وذلك أحطُّ ما يمكن أن يصل إليه مشتغل بالعلم او منتسب إليه، فبيّن "البقاعيّ" أنّ التصريح بقوله - سبحانه وتعالى - (في بطونهم) يتناسب مع عطاء الحصر إذ يرفعان حسبان التجوز في الأكل أو النار، فكلاهما حقيقة لامجاز (2)

(1) - نظم الدرر: 2 / 351
(2) - ثَمَّ أمر ذو بالٍ في هذا متعلق بالقول بالتجوز في بعض كلمات القرآن الكريم أو تراكيبه يظن أنَّ دلالته على ما كان حسيًّا من معانيه دلالة حقيقية، وما كان معنويا منها كانت دلالته مجازية، كمثل ما هنا، وكمثل العمى في قول الله تعالى: ((ومنْ كانَ فِي هذِه أعْمَى فَهُوَ فِي الآخرة أَعْمَى..)) (الإسراء:73)
وهذا مرده عند القائلين به حسبانهم أن الإنسان الأول لم يكن يستخدم الكلمات إلا في الدلالة الحسية، فلمَّا ارتقى حضاريًّا أدرك المعنويات فاستعار لها من ألفاظ ما يشابهها في المحسوسات ...
هذا حسبان ضِلِّيلٌ: إنّ الإنسان الأول في هدي الكتاب والسنة إنما هو آدم أبو البشر، وهو نبيّ خلقه الله تعالى بيده وعلَّمه الأسماء كلها وأسكنه الجنة نموذج الجمال الحسيّ والمعنوي، فلم يكن يومًا غافلا عن الدلالات المعنوية للكلمات.
إن الكلمات لتتسع دلالتها لكثير من المدلولات الحسية والمعنية دون مفاضلة بتقديم أو سبق وضع أو غير ذلك، وإن تفاوتت درجات الوضوح في الدلالة على هذه المدلولات، وليس تفاوتا وضعيًّا، فليست دلالة كلمة "العمى" على فقد عين القلب (البصر) القدرة على إدراك المحسوسات هي الدلالة الحقيقية الوضعية ودلالتها على فقد عين القلب (البصيرة) على إدراك المعنويات هي الدلالة المجازية للمشابهة، كلاّ
كلمة العمى دالة على فقد القدرة على رؤية الأشياء
والرؤية نوعان رؤية لمحسوس الأشياء وهذا لعين الرأس (البصر)
والرؤية لمعنويها وهذا لعين القلب (البصيرة)
من فقد أيَّهما فهو أعمى حقيقة لامجازًا
نام کتاب : الإمام البقاعي ومنهاجه في تأويل بلاغة القرآن نویسنده : محمود توفيق محمد سعد    جلد : 1  صفحه : 274
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست