responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 2  صفحه : 68
يَسْتَحِقَّانِ الْوِلَايَةَ فِي الْقِصَاصِ. قِيلَ لَهُ: لَمْ نَجْعَلْ عَدَمَ الْوِلَايَةِ فِي الْقِصَاصِ عِلَّةً فِي ذَلِكَ حَتَّى يَلْزَمَنَا عَلَيْهَا, وَإِنَّمَا بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ الِاسْمَ لَا يُتَنَاوَلُ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ مَا يَسْتَحِقُّ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ, وَأَمَّا الْأَخُ وَالْعَمُّ فَهُمَا وَلِيَّانِ; لِأَنَّهُمَا مِنْ الْعَصَبَاتِ, وَأَحَدٌ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْوَلِيِّ عَلَى الْعَصَبَاتِ, قَالَ اللَّهَ تَعَالَى: {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي} [مريم: 5] . قِيلَ: إنَّهُ أَرَادَ بِهِ بَنِي أَعْمَامِهِ وَعَصَبَاتِهِ, فَاسْمُ الْوَلِيِّ يَقَعُ عَلَى الْعَصَبَاتِ وَلَا يَقَعُ عَلَى الْوَصِيِّ; فَلَمَّا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ" أَنْتَفَى بِذَلِكَ جَوَازُ تَزْوِيجِ الْوَصِيِّ لِلصَّغِيرَةِ; إذْ لَيْسَ بِوَلِيٍّ, وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا" وَفِي لَفْظٍ آخَرَ: "بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهَا, فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ" فَقَدْ اقْتَضَى بُطْلَانَ نِكَاحِ الْمَجْنُونَةِ وَالْبِكْرِ الْكَبِيرَةِ إذَا زَوَّجَهَا الْوَصِيُّ أَوْ تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ الْوَصِيِّ دُونَ إذْنِ الْوَلِيِّ لِحُكْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُطْلَانِ نِكَاحِهَا إذْ كَانَتْ مُتَزَوِّجَةً بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيٍّ. وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ فِي النِّكَاحِ مُسْتَحَقَّةٌ بِالْمِيرَاثِ لِمَا دَلَّلْنَا عَلَيْهِ, وَلَيْسَ الْوَصِيُّ مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ, فَلَا وِلَايَةَ لَهُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ السَّبَبَ الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّ الْوِلَايَةَ فِي النِّكَاحِ هُوَ النَّسَبُ, وَذَلِكَ لَا يَصِحُّ النَّقْلُ فِيهِ وَلَا يَسْتَحِقُّهُ الْوَصِيُّ لِعَدَمِ السَّبَبِ الَّذِي بِهِ يَسْتَحِقُّ الْوِلَايَةَ, وَلَيْسَ التَّصَرُّفُ فِي الْمَالِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَالتَّصَرُّفِ فِي النِّكَاحِ; لِأَنَّ الْمَالَ يَصِحُّ النَّقْلُ فِيهِ وَالنِّكَاحَ لَا يَصِحُّ النَّقْلُ فِيهِ إلَى غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ, فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ لِلْوَصِيِّ وِلَايَةٌ فِيهِ, وَلَيْسَ الْوَصِيُّ كَالْوَكِيلِ فِي حَالِ حَيَاةِ الْأَبِ; لِأَنَّ الْوَكِيلَ يَتَصَرَّفُ بِأَمْرِ الْمُوَكِّلِ وَأَمْرُهُ بَاقٍ لِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ وَأَمْرُ الْمَيِّتِ مُنْقَطِعٌ فِيمَا لَا يَصِحُّ فِيهِ النَّقْلُ وَهُوَ النِّكَاحُ, فَلِذَلِكَ اخْتَلَفَا.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُ عِنْدَكُمْ الصَّغِيرَيْنِ مَعَ عَدَمِ الْمِيرَاثِ وَالْوِلَايَةِ مِنْ طَرِيقِ النَّسَبِ. قِيلَ لَهُ: إنَّ الْحَاكِمَ قَائِمٌ مَقَامَ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ, وَجَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ مِيرَاثِ الصَّغِيرَيْنِ وَهُمْ بَاقُونَ, فَاسْتَحَقَّ الْوِلَايَةَ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَالْوَكِيلِ لَهُمْ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ مِيرَاثِهِ; لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَلَا وَارِثَ لَهُ مِنْ ذَوِي أَنْسَابِهِ وَرِثَهُ الْمُسْلِمُونَ.
وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ تَزْوِيجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةِ مِنْ حَيْثُ دَلَّتْ عَلَى جَوَازِ تَزْوِيجِ سَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ, إذْ كَانَ هُوَ أَقْرَبَ الْأَوْلِيَاءِ, وَلَا نَعْلَمُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إلَّا شَيْئًا رَوَاهُ بُسْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ أَنَّ تَزْوِيجَ الْآبَاءِ عَلَى الصِّغَارِ لَا يَجُوزُ, وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَصَمِّ. وَيَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا الْمَذْهَبِ سِوَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ دَلَالَةِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْله تَعَالَى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} [الطلاق: 4] فَحَكَمَ بِصِحَّةِ طَلَاقِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَحِضْ, وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ إلَّا فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ, فَتَضَمَّنَتْ الْآيَةُ جَوَازَ تَزْوِيجِ الصَّغِيرَةِ.

نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 2  صفحه : 68
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست