responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 2  صفحه : 606
سُئِلَ عَنْ الْبُحَيْرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ; لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُهُ عَنْ مَعْنَى الْبُحَيْرَةِ مَا هُوَ أَوْ عَنْ جَوَازِهَا. وَقَدْ كَانَتْ الْبُحَيْرَةُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا أَسْمَاءٌ لِأَشْيَاءَ مَعْلُومَةٍ عِنْدَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يَكُونُوا يَحْتَاجُونَ إلَى الْمَسْأَلَةِ عَنْهَا; وَلَا يَجُوزُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ وَقَعَ عَنْ إبَاحَتِهَا وَجَوَازِهَا, لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ كُفْرًا يَتَقَرَّبُونَ بِهِ إلَى أَوْثَانِهِمْ, فَمَنْ اعْتَقَدَ الْإِسْلَامَ فَقَدْ عَلِمَ بُطْلَانَهُ.
وَقَدْ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ قَوْمٌ فِي حَظْرِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ, وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا فَحَرُمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ". قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى حَظْرِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَحْكَامِ الْحَوَادِثِ, لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَدَ بِهَا إلَى النَّهْيِ عَنْ الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَشْيَاءَ أَخْفَاهَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَاسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهَا وَهُمْ غَيْرُ مُحْتَاجِينَ إلَيْهَا بَلْ عَلَيْهِمْ فِيهَا ضَرَرٌ إنْ أُبْدِيَتْ لَهُمْ, كَحَقَائِقِ الْأَنْسَابِ; لِأَنَّهُ قَالَ: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ" فَلَمَّا سَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ عَنْ حَقِيقَةِ خَلْقِهِ مِنْ مَاءِ مَنْ هُوَ دُونَ مَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ نِسْبَتِهِ إلَى الْفِرَاشِ, نَهَاهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ, وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ الَّذِي قَالَ: أَيْنَ أَنَا؟ لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ إلَى كَشْفِ عَيْبِهِ فِي كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ, وَكَسُؤَالِ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ. وَفِي فَحْوَى الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْحَظْرَ تَعَلَّقَ بِمَا وَصَفْنَا.
قَوْله تَعَالَى: {قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ} يَعْنِي الْآيَاتِ الَّتِي سَأَلُوهَا الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ فَأَعْطَاهُمْ اللَّهُ إيَّاهَا. وَهَذَا تَصْدِيقُ تَأْوِيلِ مِقْسَمٍ. فَأَمَّا السُّؤَالُ عَنْ أَحْكَامٍ غَيْرِ مَنْصُوصَةٍ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي حَظْرِ الْآيَةِ, وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ نَاجِيَةَ بْنَ جُنْدُبٍ لَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ الْبُدْنَ لِيَنْحَرَهَا بِمَكَّةَ قَالَ: كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ مِنْهَا؟ فَقَالَ: "انْحَرْهَا وَاصْبُغْ نَعْلَهَا بِدَمِهَا وَاضْرِبْ بِهَا صَفْحَتَهَا وَخَلِّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ النَّاسِ وَلَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِك شَيْئًا" وَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُؤَالَهُ. وَفِي حَدِيثِ رَافِعٍ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُمْ سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّا لَاقُو الْعَدُوِّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى, فَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ. وَحَدِيثُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ فِي الرَّجُلِ الَّذِي سَأَلَهُ عَمَّا يَصْنَعُ فِي عُمْرَتِهِ, فَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ. وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي سُؤَالِ قَوْمٍ سَأَلُوهُ عَنْ أَحْكَامِ شَرَائِعِ الدِّينِ فِيمَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ غَيْرُ مَحْظُورٍ عَلَى أَحَدٍ. وَرَوَى شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ عَنْ مُعَاذٍ بْنِ جَبَلٍ قَالَ قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَك عَنْ أَمْرٍ وَيَمْنَعُنِي مَكَانُ هَذِهِ الْآيَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ} , فَقَالَ: مَا هُوَ؟ قُلْت: الْعَمَلُ الَّذِي يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ؟ قَالَ: "قَدْ سَأَلْت عَظِيمًا وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَحَجُّ الْبَيْتِ وَصَوْمُ رَمَضَانَ" فَلَمْ يَمْنَعْهُ السُّؤَالَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ. وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ الْأَحْنَفِ

نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 2  صفحه : 606
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست