responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 2  صفحه : 313
وَإِنْ كَانَ كِلَاهُمَا جَائِزًا; وَالْفَرْقُ بَيْنَ" غَيْرِ" إذَا كَانَتْ صِفَةً وَبَيْنَهَا إذَا كَانَتْ اسْتِثْنَاءً كَأَنَّهَا فِي الِاسْتِثْنَاءِ تُوجِبُ إخْرَاجَ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ, نَحْوِ" جَاءَنِي الْقَوْمُ غَيْرُ زَيْدٍ" وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ فِي الصِّفَةِ; لِأَنَّك تَقُولُ: "جَاءَنِي رَجُلٌ غَيْرُ زَيْدٍ" و" غَيْرُ" هَهُنَا صِفَةٌ وَفِي الْأَوَّلِ اسْتِثْنَاءٌ, وَإِنْ كَانَتْ فِي الْحَالَيْنِ مُخَصَّصَةٌ عَلَى حَدِّ النَّفْيِ.
وقَوْله تَعَالَى: {وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْمُجَاهِدِينَ وَالْقَاعِدِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ عَلَى الْكِفَايَةِ وَلَيْسَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ بِعَيْنِهِ; لِأَنَّهُ وَعَدَ الْقَاعِدِينَ الْحُسْنَى كَمَا وَعَدَ الْمُجَاهِدِينَ وَإِنْ كَانَ ثَوَابُ الْمُجَاهِدِينَ أَشْرَفَ وَأَجْزَلَ, وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْقُعُودُ عَنْ الْجِهَادِ مُبَاحًا إذَا قَامَتْ بِهِ طَائِفَةٌ لَمَا وَعَدَ الْقَاعِدِينَ الثَّوَابَ, وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَنَّ فَرْضَ الْجِهَادِ غَيْرُ مُعَيَّنٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي نَفْسِهِ.
وقَوْله تَعَالَى: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} {دَرَجَاتٍ مِنْهُ} ذكر ههنا: {دَرَجَاتٍ مِنْهُ} وذكر في أول الآية: {دَرَجَةً} , فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ الْأَوَّلَ عَلَى أَهْلِ الضَّرَرِ فُضِّلُوا عَلَيْهِمْ دَرَجَةً وَاحِدَةً, وَالثَّانِي عَلَى غَيْرِ أَهْلِ الضَّرَرِ فَضَّلَهُمْ عَلَيْهِمْ دَرَجَاتٍ كَثِيرَةٍ وَأَجْرًا عَظِيمًا. وَقِيلَ إنَّ الْأَوَّلَ عَلَى الْجِهَادِ بِالنَّفْسِ فَفُضِّلُوا دَرَجَةً وَاحِدَةً, وَالْآخَرُ الْجِهَادُ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ فَفُضِّلُوا دَرَجَاتٍ كَثِيرَةٍ. وَقِيلَ إنَّهُ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ دَرَجَةَ الْمَدْحِ وَالتَّعْظِيمِ وَشَرَفُ الدِّينِ, وَأَرَادَ بِالْآخَرِ دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ.
فَإِنْ قِيلَ: هَلْ فِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى مُسَاوَاةِ أُولِي الضَّرَرِ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ فِيهَا؟ قِيلَ لَهُ: لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى التَّسَاوِي; لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَرَدَ مِنْ حَيْثُ كَانَ مَخْرَجُ الْآيَةِ تَحْرِيضًا عَلَى الْجِهَادِ وَحَثًّا عَلَيْهِ, فَاسْتَثْنَى أُولِي الضَّرَرِ; إذْ لَيْسُوا مَأْمُورِينَ بِالْجِهَادِ لَا مِنْ حَيْثُ أُلْحِقُوا بِالْمُجَاهِدِينَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ} الْآيَةَ. قِيلَ فِيهِ تُقْبَضُ أَرْوَاحُهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: تَحْشُرُهُمْ إلَى النَّارِ. وَقِيلَ: إنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ لِلْمُؤْمِنِينَ خَوْفًا وَإِذَا رَجَعُوا إلَى قَوْمِهِمْ أَظْهَرُوا لَهُمْ الْكُفْرَ وَلَا يُهَاجِرُونَ إلَى الْمَدِينَةِ, فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا ذَكَرَ أَنَّهُمْ ظَالِمُونَ لِأَنْفُسِهِمْ بِنِفَاقِهِمْ وَكُفْرِهِمْ وَبِتَرْكِهِمْ الْهِجْرَةَ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَرْضِ الْهِجْرَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ, لَوْلَا ذَلِكَ لَمَا ذَمَّهُمْ عَلَى تَرْكِهَا; وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ مُكَلَّفُونَ بِشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ مُعَاقَبُونَ عَلَى تَرْكِهَا; لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ ذَمَّ هَؤُلَاءِ الْمُنَافِقِينَ عَلَى تَرْكِ الْهِجْرَةِ, وَهَذَا نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى} [النساء: 115] فَذَمَّهُمْ عَلَى تَرْكِ اتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا ذَمَّهُمْ عَلَى تَرْكِ الْإِيمَانِ. وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ حُجَّةِ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَمَا ذَمَّهُمْ على

نام کتاب : أحكام القرآن - ط العلمية نویسنده : الجصاص    جلد : 2  صفحه : 313
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست