نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3211
ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي مالك الأشعري- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: إن ربكم أنذركم ثلاثا الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة، ويأخذ الكافر فينتفخ حتى يخرج من كل مسمع منه، والثانية الدابة، والثالثة الدجال. ورواه الطبراني عن هاشم بن زيد، عن محمد بن إسماعيل بن عياش بهذا النص (وقال ابن كثير في التفسير: وهذا إسناد جيد) .
وقال ابن جرير كذلك: حدثني يعقوب، حدثنا ابن علية، عن ابن جريج، عن عبد الله بن أبي مليكة.
قال: غدوت على ابن عباس- رضي الله عنهما- ذات يوم، فقال: ما نمت الليلة حتى أصبحت. قلت:
لم؟ قال: قالوا طلع الكوكب ذو الذنب، فخشيت أن يكون الدخان قد طرق، فما نمت حتى أصبحت..
وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه، عن ابن عمر، عن سفيان، عن عبد الله بن أبي يزيد، عن عبد الله ابن أبي مليكة، عن ابن عباس- رضي الله عنهما فذكره.
قال ابن كثير في التفسير: (وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس- رضي الله عنهما- حبر الأمة وترجمان القرآن. وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين- رضي الله عنهم أجمعين- مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهما التي أوردوها، مما فيه مقتنع ودلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة، مع أنه ظاهر القرآن. قال الله تبارك وتعالى: «فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ» .. أي بيّن واضح يراه كل أحد. وعلى ما فسر به ابن مسعود- رضي الله عنه- إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع والجهد.
وهكذا قوله تعالى: «يَغْشَى النَّاسَ» .. أي يتغشاهم ويعميهم. ولو كان أمرا خياليا يخص أهل مكة المشركين لما قيل فيه: «يَغْشَى النَّاسَ» .. وقوله تعالى: «هذا عَذابٌ أَلِيمٌ» .. أي يقال لهم ذلك، تقريعا وتوبيخا.
كقوله تعالى: «يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا. هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ» . أو يقول بعضهم لبعض ذلك.
وقوله- سبحانه وتعالى-: «رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ» .. أي يقول الكافرون إذا عاينوا عذاب الله وعقابه سائلين رفعه وكشفه عنهم، كقوله جلت عظمته: «وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا: يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» .. وكذا قوله جل وعلا: «وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا: رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ. أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ؟» .. وهكذا قال جل وعلاها هنا: «أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى، وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ، ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا: مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ» .. يقول: كيف لهم التذكر وقد أرسلنا إليهم رسولا بين الرسالة والنذارة، ومع هذا تولوا عنه، وما وافقوه بل كذبوه، وقالوا: معلم مجنون. وهذا كقوله جلت عظمته: «يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى» .. الآية. وقوله عز وجل: «وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا، فَلا فَوْتَ، وَأُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ. وَقالُوا: آمَنَّا بِهِ. وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ؟» إلى آخر السورة.. وقوله تعالى: «إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ» .. يحتمل معنيين: أحدهما: أنه يقول تعالى: ولو كشفنا عنكم العذاب ورجعناكم إلى الدار الدنيا لعدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والتكذيب. كقوله تعالى: «وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ» .. وكقوله جلت عظمته: «وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ» .. والثاني: أن يكون المراد: إنا مؤخر والعذاب عنكم قليلا بعد انعقاد أسبابه، ووصوله إليكم، وأنتم مستمرون فيما أنتم فيه من الطغيان والضلال. ولا يلزم من الكشف عنهم أن يكون باشرهم. كقوله تعالى: «إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ» .. ولم يكن العذاب باشرهم واتصل بهم، بل كان قد انعقد سببه عليهم.. وقال قتادة: إنكم عائدون إلى عذاب الله.. وقوله عز وجل: «يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ» .. فسر ذلك ابن مسعود- رضي الله عنه- بيوم بدر. وهذا قول جماعة ممن
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3211