responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3209
الحدود، وأقيمت المعالم لرحلة البشرية كلها بعد تلك الليلة إلى يوم الدين فلم يبق هناك أصل من الأصول التي تقوم عليها الحياة غير واضح ولا مرسوم في دنيا الناس، كما هو واضح ومرسوم في الناموس الكلي القديم.
وكان ذلك كله بإرادة الله وأمره، ومشيئته في إرسال الرسل للفصل والتبيين:
«أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ» .
وكان ذلك كله رحمة من الله بالبشر إلى يوم الدين:
«رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» ..
وما تتجلى رحمة الله بالبشر كما تتجلى في تنزيل هذا القرآن، بهذا اليسر، الذي يجعله سريع اللصوق بالقلب، ويجعل الاستجابة له تتم كما تتم دورة الدم في العروق. وتحول الكائن البشري إلى إنسان كريم، والمجتمع البشري إلى حلم جميل، لولا أنه واقع تراه العيون! إن هذه العقيدة- التي جاء بها القرآن- في تكاملها وتناسقها- جميلة في ذاتها جمالا يحبّ ويعشق وتتعلق به القلوب! فليس الأمر فيها أمر الكمال والدقة وأمر الخير والصلاح. فإن هذه السمات فيها تظل ترتفع وترتفع حتى يبلغ الكمال فيها مرتبة الجمال الحبيب الطليق. الجمال الذي يتناول الجزئيات كلها بأدق تفصيلاتها، ثم يجمعها، وينسقها، ويربطها كلها بالأصل الكبير.
«رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ» نزل بها هذا القرآن في الليلة المباركة.. «إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» . يسمع ويعلم، وينزل ما ينزل للناس على علم وعلى معرفة بما يقولون وما يعملون، وما يصلح لهم ويصلحون به من السنن والشرائع والتوجيه السليم.
وهو المشرف على هذا الكون الحافظ لمن فيه وما فيه:
«رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما. إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ» ..
فما ينزله للناس يربيهم به، هو طرف من ربوبيته للكون كله، وطرف من نواميسه التي تصرف الكون..
والتلويح لهم باليقين في هذا إشارة إلى عقيدتهم المضطربة المزعزعة المهوشة، إذ كانوا يعترفون بخلق الله للسماوات والأرض، ثم يتخذون من دونه أربابا، مما يشي بغموض هذه الحقيقة في نفوسهم وسطحيتها وبعدها عن الثبات واليقين.
وهو الإله الواحد الذي يملك الموت والحياة وهو رب الأولين والآخرين:
«لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ، رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ» ..
والإحياء والإماتة أمران مشهودان للجميع، وأمرهما خارج عن طاقة كل مخلوق. يبدو هذا بأيسر نظر وأقرب تأمل. ومشهد الموت كمشهد الحياة في كل صورة وفي كل شكل يلمس القلب البشري ويهزه ويستجيشه ويعده للتأثر والانفعال ويهيئه للتقبل والاستجابة. ومن ثم يكثر ذكره في القرآن وتوجيه المشاعر إليه ولمس القلوب به بين الحين والحين.
وعند ما يبلغ الموقف هذا الحد من الاستتارة والاستجاشة يضرب السياق عنه، ويلتفت بالحديث إلى حكاية حالهم تجاهه وهو حال مناقض لما ينبغي أن يكونوا عليه تجاه حقيقة الموقف الجاد الذي لا مجال للعب فيه:
«بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ. فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ، يَغْشَى النَّاسَ، هذا عَذابٌ أَلِيمٌ. رَبَّنَا

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3209
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست