نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3199
وعن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-: لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة. فينزل عيسى ابن مريم، فيقول أميرهم: تعال: صل لنا. فيقول: لا.
إن بعضكم على بعض أمراء تكرمة الله تعالى لهذه الأمة» [1] .
وهو غيب من الغيب الذي حدثنا عنه الصادق الأمين وأشار إليه القرآن الكريم، ولا قول فيه لبشر إلا ما جاء من هذين المصدرين الثابتين إلى يوم الدين.
«فَلا تَمْتَرُنَّ بِها. وَاتَّبِعُونِ. هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ» ..
وكانوا يشكون في الساعة، فالقرآن يدعوهم إلى اليقين. وكانوا يشردون عن الهدى، والقرآن يدعوهم على لسان الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- إلى اتباعه فإنه يسير بهم في الطريق المستقيم، القاصد الواصل الذي لا يضل سالكوه.
ويبين لهم أن انحرافهم وشرودهم أثر من اتباع الشيطان. والرسول أولى أن يتبعوه:
«وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ. إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ» ..
والقرآن لا يفتأ يذكر البشر بالمعركة الخالدة بينهم وبين الشيطان منذ أبيهم آدم، ومنذ المعركة الأولى في الجنة. وأغفل الغافلين من يعلم أن له عدوا يقف له بالمرصاد، عن عمد وقصد، وسابق إنذار وإصرار ثم لا يأخذ حذره ثم يزيد فيصبح تابعا لهذا العدو الصريح! وقد أقام الإسلام الإنسان في هذه المعركة الدائمة بينه وبين الشيطان طوال حياته على هذه الأرض ورصد له من الغنيمة إذا هو انتصر ما لا يخطر على قلب بشر، ورصد له من الخسران إذا هو اندحر ما لا يخطر كذلك على قلب بشر. وبذلك حول طاقة القتال فيه إلى هذه المعركة الدائبة التي تجعل من الإنسان إنسانا، وتجعل له طابعه الخاص بين أنواع الخلائق المتنوعة الطبائع والطباع! والتي تجعل أكبر هدف للإنسان على الأرض أن ينتصر على عدوه الشيطان فينتصر على الشر والخبث والرجس ويثبت في الأرض قوائم الخير والنصح والطهر.
وبعد هذه اللفتة يعود إلى بيان حقيقة عيسى- عليه السّلام- وحقيقة ما جاء به وكيف اختلف قومه من قبله ثم اختلفوا كذلك من بعده:
«وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ: قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ، وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ. إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ، هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ. فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ» ..
فعيسى جاء قومه بالبينات الواضحات سواء من الخوارق التي أجراها الله على يديه، أو من الكلمات والتوجيهات إلى الطريق القويم. وقال لقومه: «قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ» . ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، وأمن الزلل والشطط أمنه للتفريط والتقصير واطمأن إلى خطواته في الطريق على اتزان وعلى نور. وجاء ليبين لهم بعض الذي يختلفون فيه. وقد اختلفوا في كثير من شريعة موسى- عليه السّلام- وانقسموا فرقا وشيعا. ودعاهم إلى تقوى الله وإلى طاعته فيما جاءهم به من عند الله. وجهر بكلمة التوحيد خالصة لا مواربة فيها ولا لبس ولا غموض:
«إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ» .. ولم يقل: إنه إله، ولم يقل: إنه ابن الله. ولم يشر من قريب أو بعيد [1] أخرجه مسلم.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3199