نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3200
إلى صلة له بربه غير صلة العبودية من جانبه والربوبية من جانب الله رب الجميع. وقال لهم: إن هذا صراط مستقيم لا التواء فيه ولا اعوجاج، ولا زلل فيه ولا ضلال. ولكن الذين جاءوا من بعده اختلفوا أحزابا كما كان الذين من قبله مختلفين أحزابا. اختلفوا ظالمين لا حجة لهم ولا شبهة: «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ» ..
لقد كانت رسالة عيسى عليه السّلام إلى بني إسرائيل وكانوا ينتظرونه ليخلصهم مما كانوا فيه من الذل تحت حكم الرومان وقد طال انتظارهم له، فلما جاءهم نكروه وشاقوه، وهموا أن يصلبوه! ولقد جاء المسيح فوجدهم شيعا ونحلا كثيرة، أهمها أربع فرق أو طوائف.
طائفة الصدوقيين نسبة إلى «صدوق» وإليه وإلى أسرته ولاية الكهانة من عهد داود وسليمان. وحسب الشريعة لا بد أن يرجع نسبه إلى هارون أخي موسى. فقد كانت ذريته هي القائمة على الهيكل. وكانوا بحكم وظيفتهم واحترافهم متشددين في شكليات العبادة وطقوسها، ينكرون «البدع» في الوقت الذي يترخصون في حياتهم الشخصية ويستمتعون بملاذ الحياة ولا يعترفون بأن هناك قيامة! وطائفة الفريسيين، وكانوا على شقاق مع الصدوقيين. ينكرون عليهم تشددهم في الطقوس والشكليات، وجحدهم للبعث والحساب. والسمة الغالبة على الفريسيين هي الزهد والتصوف وإن كان في بعضهم اعتزاز وتعال بالعلم والمعرفة. وكان المسيح- عليه السّلام- ينكر عليهم هذه الخيلاء وشقشقة اللسان! وطائفة السامريين، وكانوا خليطا من اليهود والأشوريين، وتدين بالكتب الخمسة في العهد القديم المعروفة بالكتب الموسوية، وتنفي ما عداها مما أضيف إلى هذه الكتب في العهود المتأخرة، مما يعتقد غيرهم بقداسته.
وطائفة الآسين أو الأسينيين. وكانوا متأثرين ببعض المذاهب الفلسفية، وكانوا يعيشون في عزلة عن بقية طوائف اليهود، ويأخذون أنفسهم بالشدة والتقشف، كما يأخذون جماعتهم بالشدة في التنظيم.
وهناك غير هذه الطوائف نحل شتى فردية، وبلبلة في الاعتقاد والتقاليد بين بني إسرائيل، الراضخين لضغط الإمبراطورية الرومانية المستذلين المكبوتين، الذين ينتظرون الخلاص على يد المخلص المنتظر من الجميع.
فلما أن جاء المسيح- عليه السّلام- بالتوحيد الذي أعلنه: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ» . وجاء معه بشريعة التسامح والتهذيب الروحي والعناية بالقلب البشري قبل الشكليات والطقوس، حاربه المحترفون الذين يقومون على مجرد الأشكال والطقوس.
ومما يؤثر عنه- عليه السّلام- في هذا قوله عن هؤلاء: «إنهم يحزمون الأوقار، ويسومون الناس أن يحملوها على عواتقهم، ولا يمدون إليها إصبعا يزحزحونها، وإنما يعملون عملهم كله لينظر الناس إليهم! يعرضون عصائبهم، ويطيلون أهداب ثيابهم، ويستأثرون بالمتكأ الأول في الولائم، والمجالس الأولى في المجامع، ويبتغون التحيات في الأسواق. وأن يقال لهم: سيدي. سيدي. حيث يذهبون!» ..
أو يخاطب هؤلاء فيقول: «أيها القادة العميان الذين يحاسبون على البعوضة ويبتلعون الجمل.. إنكم تنقون ظاهر الكأس والصحفة، وهما في الباطن مترعان بالرجس والدعارة.. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون.
إنكم كالقبور المبيضة. خارجها طلاء جميل وداخلها عظام نخرة» [1] ..
وإن الإنسان- وهو يقرأ هذه الكلمات المأثورة عن المسيح- عليه السّلام- وغيرها في بابها- ليكاد يتصور [1] النصوص منقولة عن كتاب: عبقرية المسيح للأستاذ العقاد. والكلام عن طوائف اليهود مستعان به فيه.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3200