responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3192
حاجز الزمان وحاجز المكان وحاجز الشكل والصورة. وهنا يسأل الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- ويجاب، بلا حاجز ولا حجاب. كما وقع في ليلة الإسراء والمعراج.
وإنه ليحسن في مثل هذه المواطن ألا نعتد كثيرا بالمألوف في حياتنا. فهذا المألوف ليس هو القانون الكلي.
ونحن لا ندرك من هذا الوجود إلا بعض ظواهره وبعض آثاره، حين نهتدي إلى طرف من قانونه. وهناك حجب من تكويننا ذاته ومن حواسنا وما نرتبه عليها من مألوفات. فأما اللحظة التي تتجرد فيها النفس من هذه العوائق والحجب فيكون لقاء الحقيقة المجردة للإنسان بالحقيقة المجردة لأي شيء آخر أمرا أيسر من لمس الأجسام للأجسام! وفي سياق تسلية الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- عما يعترض به المعترضون من كبراء قومه على اختياره واعتزازهم بالقيم الباطلة لعرض هذه الحياة الدنيا. تجيء حلقة من قصة موسى- عليه السلام- مع فرعون وملئه، يذكر فيها اعتزاز فرعون بمثل ما يعتز به من يقولون: «لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ» ! وتباهيه بما له من ملك ومن سلطان، وتساؤله في فخر وخيلاء: «أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي؟ أَفَلا تُبْصِرُونَ؟» .. وانتفاخه على موسى- عبد الله ورسوله- وهو مجرد من الجاه الأرضي والعرض الدنيوي: «أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ؟» .. واقتراحه الذي يشبه ما يقترحون: «فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ» ..
وكأنما هي نسخة تكرر، أو اسطوانة تعاد! ثم يبين كيف استجابت لفرعون الجماهير المستخفة المخدوعة على الرغم من الخوارق التي عرضها عليهم موسى- عليه السّلام- وعلى الرغم مما أصابهم من ابتلاءات، واستغاثتهم بموسى ليدعو ربه فيكشف عنهم البلاء.
ثم كيف كانت العاقبة بعد ما ألزمهم الله الحجة بالتبليغ: «فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ، فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ» ..
وها هم أولاء الآخرون لا يعتبرون ولا يتذكرون! ومن خلال هذه الحلقة تتجلى وحدة الرسالة، ووحدة المنهج، ووحدة الطريق. كما تتبدى طبيعة الكبراء والطغاة في استقبال دعوة الحق، واعتزازهم بالتافه الزهيد من عرض هذه الأرض وطبيعة الجماهير التي يستخفها الكبراء والطغاة على مدار القرون! «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ، فَقالَ: إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ. فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ» ..
هنا يعرض حلقة اللقاء الأول بين موسى وفرعون، في إشارة مقتضبة تمهيدا لاستعراض النقطة الرئيسية المقصودة من القصة في هذا الموضع- وهي تشابه اعتراضات فرعون وقيمه مع اعتراضات مشركي العرب وقيمهم- ويلخص حقيقة رسالة موسى: «فَقالَ: إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ» .. وهي ذات الحقيقة التي جاء بها كل رسول: أنه «رَسُولُ» وأن الذي أرسله هو «رَبِّ الْعالَمِينَ» ..
ويشير كذلك إشارة سريعة إلى الآيات التي عرضها موسى، وينهي هذه الإشارة بطريقة استقبال القوم لها:
«إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ» .. شأن الجهال المتعالين!

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3192
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست