نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3191
مستقيمة معه لا تنفرج عنه ولا تنفصل. وهي مؤدية بصاحبها إلى خالق هذا الوجود، على استقامة تؤمن معها الرحلة في ذلك الطريق! والله- سبحانه- يثبت رسوله- صلّى الله عليه وسلّم- بتوكيد هذه الحقيقة. وفيها تثبيت كذلك للدعاة من بعده، مهما لاقوا من عنت الشاردين عن الطريق! «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ» ..
ونص هذه الآية هنا يحتمل أحد مدلولين:
أن هذا القرآن تذكير لك ولقومك تسألون عنه يوم القيامة، فلا حجة بعد التذكير.
أو أن هذا القرآن يرفع ذكرك وذكر قومك. وهذا ما حدث فعلا..
فأما الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- فإن مئات الملايين من الشفاه تصلي وتسلم عليه، وتذكره ذكر المحب المشتاق آناء الليل وأطراف النهار منذ قرابة ألف وأربع مئة عام. ومئات الملايين من القلوب تخفق بذكره وحبه منذ ذلك التاريخ البعيد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وأما قومه فقد جاءهم هذا القرآن والدنيا لا تحس بهم، وإن أحست اعتبرتهم على هامش الحياة. وهو الذي جعل لهم دورهم الأكبر في تاريخ هذه البشرية. وهو الذي واجهوا به الدنيا فعرفتهم ودانت لهم طوال الفترة التي استمسكوا فيها به. فلما أن تخلوا عنه أنكرتهم الأرض، واستصغرتهم الدنيا وقذفت بهم في ذيل القافلة هناك، بعد أن كانوا قادة الموكب المرموقين! وإنها لتبعة ضخمة تسأل عنها الأمة التي اختارها الله لدينه، واختارها لقيادة القافلة البشرية الشاردة، إذا هي تخلت عن الأمانة: «وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ» ..
وهذا المدلول الأخير أوسع وأشمل. وأنا إليه أميل.
«وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا: أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ؟» ..
والتوحيد هو أساس دين الله الواحد منذ أقدم رسول. فعلام يرتكن هؤلاء الذين يجعلون من دون الرحمن آلهة يعبدون؟
والقرآن يقرر هذه الحقيقة هنا في هذه الصورة الفريدة.. صورة الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- يسأل الرسل قبله عن هذه القضية: «أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ؟» وحول هذا السؤال ظلال الجواب القاطع من كل رسول. وهي صورة طريفة حقا. وهو أسلوب موح شديد التأثير في القلوب.
وهناك أبعاد الزمان والمكان بين الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- والرسل قبله. وهناك أبعاد الموت والحياة وهي أكبر من أبعاد الزمان والمكان.. ولكن هذه الأبعاد كلها تتلاشى هنا أمام الحقيقة الثابتة المطردة. حقيقة وحدة الرسالة المرتكزة كلها على التوحيد. وهي كفيلة أن تبرز وتثبت حيث يتلاشى الزمان والمكان والموت والحياة وسائر الظواهر المتغيرة ويتلاقى عليها الأحياء والأموات على مدار الزمان متفاهمين متعارفين.. وهذه هي ظلال التعبير القرآني اللطيف العجيب..
على أنه بالقياس إلى النبي- صلّى الله عليه وسلّم- وإخوانه من الرسل مع ربهم لا يبقى شيء بعيد وآخر قريب.
فهناك دائما تلك اللحظة اللدنية التي تزال فيها الحواجز وترتفع فيها السدود، وتتجلى الحقيقة الكلية عارية من كل ستار. حقيقة النفس وحقيقة الوجود كله وأهل هذا الوجود. تتجلى وحدة متصلة، وقد سقط عنها
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3191