responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3190
وقاده في طريق الهلاك، وهو يلوح له بالسلامة! ينظر إليه في حنق يقول: «يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ» ! يا ليته لم يكن بيننا لقاء. على هذا البعد السحيق! ويعقب القرآن على حكاية قول القرين الهالك للقرين بقوله: «فَبِئْسَ الْقَرِينُ» ! ونسمع كلمة التيئيس الساحقة لهذا وذاك عند إسدال الستار على الجميع:
«وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ» ! فالعذاب كامل لا تخففه الشركة، ولا يتقاسمه الشركاء فيهون! عندئذ ينصرف عن هؤلاء، في مشهدهم البائس الكئيب ويدعهم يتلاومون ويتشاتمون. ويتجه بالخطاب إلى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- يسليه عن هذا المصير البائس الذي انتهى إليه فريق من البشر ويعزيه عن إعراضهم عنه وكفرهم بما جاء به ويثبته على الحق الذي أوحى إليه وهو الحق الثابت المطرد من قديم، في رسالة كل رسول:
«أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ؟ فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ. أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ. فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ، وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ. وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا: أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ؟» ..
وهذا المعنى يتكرر في القرآن تسلية لرسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وبيانا لطبيعة الهدى والضلال، ورجعهما إلى مشيئة الله وتقديره وحده وإخراجهما من نطاق وظيفة الرسل- عليهم الصلاة والسّلام- ووضع حدود فاصلة بين مجال القدرة الإنسانية المحدودة في أعلى درجاتها عند مرتقى النبوة، ومجال القدرة الإلهية الطليقة وتثبيت معنى التوحيد في صورة من أدق صوره، وفي موضع من ألطف مواضعه:
«أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» ..
وهم ليسوا صما ولا عميا، ولكنهم كالصم والعمي في الضلال، وعدم الانتفاع بالدعاء إلى الهدى، والإشارة إلى دلائله. ووظيفة الرسول أن يسمع من يسمع، وأن يهدي من يبصر. فإذا هم عطلوا جوارحهم، وطمسوا منافذ قلوبهم وأرواحهم. فما للرسول إلى هداهم من سبيل ولا عليه من ضلالهم، فقد قام بواجبه الذي يطيق.
والله يتولى الأمر بعد أداء الرسول لواجبه المحدود:
«فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ. أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ» ..
والأمر لا يخرج عن هذين الحالين. فإذا ذهب الله بنبيه فسيتولى هو الانتقام من مكذبيه. وإذا قدر له الحياة حتى يتحقق ما أنذرهم به، فالله قادر على تحقيق النذير، وهم ليسوا له بمعجزين. ومرد الأمر إلى مشيئة الله وقدرته في الحالين، وهو صاحب الدعوة. وما الرسول إلا رسول.
«فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ. إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» ..
واثبت على ما أنت فيه، وسر في طريقك لا تحفل ما كان منهم وما يكون. سر في طريقك مطمئن القلب.
«إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ» .. لا يلتوي بك ولا ينحرف ولا يحيد.
وهذه العقيدة متصلة بحقيقة الكون الكبرى، متناسقة مع الناموس الكلي الذي يقوم عليه هذا الوجود. فهي

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3190
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست