responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3193
يلي ذلك إشارة إلى ما أخذ الله به فرعون وملأه من الابتلاءات المفصلة في سور أخرى:
«وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها، وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. وَقالُوا: يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ. فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ» ..
وهكذا لم تكن الآيات التي ظهرت على يدي موسى- عليه السّلام- مدعاة إيمان، وهي تأخذهم متتابعة.
كل آية أكبر من أختها. مما يصدق قول الله تعالى في مواضع كثيرة، وفحواه أن الخوارق لا تهدي قلبا لم يتأهل للهدى وأن الرسول لا يسمع الصم ولا يهدي العمي! والعجب هنا فيما يحكيه القرآن عن فرعون وملئه قولهم: «يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ» .. فهم أمام البلاء، وهم يستغيثون بموسى ليرفع عنهم البلاء. ومع ذلك يقولون له: «يا أَيُّهَا السَّاحِرُ» ويقولون كذلك: «ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ» وهو يقول لهم: إنه رسول «رَبِّ الْعالَمِينَ» لا ربه هو وحده على جهة الاختصاص! ولكن لا الخوارق ولا كلام الرسول مس قلوبهم، ولا خالطتها بشاشة الإيمان، على الرغم من قولهم: «إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ» :
«فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ» ..
ولكن الجماهير قد تؤخذ بالخوارق المعجزة، وقد يجد الحق سبيلا إلى قلوبها المخدوعة. وهنا يبرز فرعون في جاهه وسلطانه، وفي زخرفه وزينته، يخلب عقول الجماهير الساذجة بمنطق سطحي، ولكنه يروج بين الجماهير المستعبدة في عهود الطغيان، المخدوعة بالأبهة والبريق:
«وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ: قالَ: يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي؟ أَفَلا تُبْصِرُونَ؟ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ، وَلا يَكادُ يُبِينُ؟ فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ؟» إن ملك مصر وهذه الأنهار التي تجري من تحت فرعون، أمر قريب مشهود للجماهير، يبهرها وتستخفها الإشارة إليه. فأما ملك السماوات والأرض وما بينهما- ومصر لا تساوي هباءة فيه- فهو أمر يحتاج إلى قلوب مؤمنة تحسه، وتعقد الموازنة بينه وبين ملك مصر الصغير الزهيد! والجماهير المستعبدة المستغفلة يغريها البريق الخادع القريب من عيونها ولا تسمو قلوبها ولا عقولها إلى تدبر ذلك الملك الكوني العريض البعيد! ومن ثم عرف فرعون كيف يلعب بأوتار هذه القلوب ويستغفلها بالبريق القريب! «أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ؟» .
وهو يعني بالمهانة أن موسى ليس ملكا ولا أميرا ولا صاحب سطوة ومال مشهود. أم لعله يشير بهذا إلى أنه من ذلك الشعب المستعبد المهين. شعب إسرائيل. أما قوله: «وَلا يَكادُ يُبِينُ» فهو استغلال لما كان معروفا عن موسى قبل خروجه من مصر من حبسة اللسان. وإلا فقد استجاب الله سؤاله حين دعاه: «رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي» .. وحلت عقدة لسانه فعلا، وعاد يبين.
وعند الجماهير الساذجة الغافلة لا بد أن يكون فرعون الذي له ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحته، خيرا من موسى- عليه السّلام- ومعه كلمة الحق ومقام النبوة ودعوة النجاة من العذاب الأليم! «فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ؟» ..
هكذا. من ذلك العرض التافه الرخيص! أسورة من ذهب تصدق رسالة رسول! أسورة من ذهب تساوي

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3193
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست