نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3153
الأصول الكلية التي شرعها للناس، لتبقى ميزانا يزن به البشر كل تشريع جزئي وكل تطبيق.
بذلك يتوحد مصدر التشريع، ويكون الحكم لله وحده. وهو خير الحاكمين. وما عدا هذا النهج فهو خروج على شريعة الله، وعلى دين الله، وعلى ما وصى به نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا عليهم الصلاة والسّلام.
«وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ» ..
فقد قال الله كلمة الفصل بإمهالهم إلى يوم القول الفصل. ولولاها لقضى الله بينهم، فأخذ المخالفين لما شرعه الله، المتبعين لشرع من عداه. لأخذهم بالجزاء العاجل. ولكنه أمهلهم ليوم الجزاء.
«وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» ..
فهذا هو الذي ينتظرهم جزاء الظلم. وهل أظلم من المخالفة عن شرع الله إلى شرع من عداه؟
ومن ثم يعرض هؤلاء الظالمين في مشهد من مشاهد القيامة. يعرضهم مشفقين خائفين من العذاب وكانوا من قبل لا يشفقون، بل يستعجلون ويستهترون:
«تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ» ..
والتعبير العجيب يجعل إشفاقهم «مِمَّا كَسَبُوا» فكأنما هو غول مفزع وهو هو الذي كسبوه وعملوه بأيديهم وكانوا به فرحين! ولكنهم اليوم يشفقون منه ويفزعون «وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ» .. وكأنه هو بذاته انقلب عذابا لا مخلص منه، وهو واقع بهم! وفي الصفحة الأخرى نجد المؤمنين الذين كانوا يشفقون من هذا اليوم ويخافون. نجدهم في أمن وعافية ورخاء:
«وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ، لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ. ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ. ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ» ..
والتعبير كله رخاء يرسم ظلال الرخاء: «فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ» .. «لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ» بلا حدود ولا قيود. «ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ» . «ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ» فهو بشرى حاضرة، مصداقا للبشرى السالفة. وظل البشرى هنا هو أنسب الظلال.
وعلى مشهد هذا النعيم الرخاء الجميل الظليل يلقن الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- أن يقول لهم: إنه لا يطلب منهم أجرا على الهدى الذي ينتهي بهم إلى هذا النعيم، وينأى بهم عن ذلك العذاب الأليم. إنما هي مودته لهم لقرابتهم منه، وحسبه ذلك أجرا:
«قُلْ: لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً. إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى. وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً. إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ» ..
والمعنى الذي أشرت إليه، وهو أنه لا يطلب منهم أجرا، إنما تدفعه المودة للقربى- وقد كانت لرسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- قرابة بكل بطن من بطون قريش- ليحاول هدايتهم بما معه من الهدى، ويحقق الخير لهم إرضاء لتلك المودة التي يحملها لهم، وهذا أجره وكفى! هذا المعنى هو الذي انقدح في نفسي وأنا أقرأ هذا التعبير القرآني في مواضعه التي جاء فيها. وهناك تفسير مروي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أثبته هنا لوروده في صحيح البخاري:
قال البخاري حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة، قال:
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3153