نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3154
سمعت طاووسا يحدث عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه سأل عن قوله تعالى: «إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» فقال سعيد بن جبير: «قربى آل محمد. فقال ابن عباس: عجلت. إن النبي- صلّى الله عليه وسلّم- لم يكن بطن من بطون قريش إلا كان له فيهم قرابة. فقال: إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة» .
ويكون المعنى على هذا: إلا أن تكفوا أذاكم مراعاة للقرابة. وتسمعوا وتلينوا لما أهديكم إليه. فيكون هذا هو الأجر الذي أطلبه منكم لا سواه.
وتأويل ابن عباس- رضي الله عنهما- أقرب من تأويل سعيد بن جبير- رضي الله عنه- ولكنني ما أزال أحس أن ذلك المعنى أقرب وأندى.. والله أعلم بمراده منا.
وعلى أية حال فهو يذكرهم- أمام مشهد الروضات والبشريات- أنه لا يسألهم على شيء من هذا أجرا.
ودون هذا بمراحل يطلب عليه الأدلاء أجرا ضخما! ولكنه فضل الله الذي لا يحاسب العباد حساب التجارة، ولا حساب العدل، ولكن حساب السماحة وحساب الفضل:
«وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً» ..
فليس هو مجرد عدم تناول الأجر. بل إنها الزيادة والفضل.. ثم هي بعد هذا كله المغفرة والشكر:
«إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ» ..
الله يغفر. ثم.. الله يشكر.. ويشكر من؟ يشكر لعباده. وهو وهبهم التوفيق على الإحسان. ثم هو يزيد لهم في الحسنات، ويغفر لهم السيئات. ويشكر لهم بعد هذا وذاك.. فيا للفيض الذي يعجز الإنسان عن متابعته. فضلا على شكره وتوفيته! ثم يعود إلى الحديث عن تلك الحقيقة الأولى:
«أَمْ يَقُولُونَ: افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً؟ فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ، وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ، وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» .
هنا يأتي على الشبهة الأخيرة، التي قد يعللون بها موقفهم من ذلك الوحي، الذي تحدث عن مصدره وعن طبيعته وعن غايته في الجولات الماضية:
«أَمْ يَقُولُونَ: افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً؟» ..
فهم من ثم لا يصدقونه، لأنهم يزعمون أنه لم يوح إليه، ولم يأته شيء من الله؟
ولكن هذا قول مردود. فما كان الله ليدع أحدا يدعي أن الله أوحى إليه، وهو لم يوح إليه شيئا، وهو قادر على أن يختم على قلبه، فلا ينطق بقرآن كهذا. وأن يكشف الباطل الذي جاء به ويمحوه. وأن يظهر الحق من ورائه ويثبته:
«فَإِنْ يَشَإِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ، وَيَمْحُ اللَّهُ الْباطِلَ، وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ» وما كان ليخفى عليه ما يدور في خلد محمد- صلّى الله عليه وسلّم- حتى قبل أن يقوله:
«إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ» ..
فهي شبهة لا قوام لها. وزعم لا يقوم على أساس. ودعوى تخالف المعهود عن علم الله بالسرائر، وعن قدرته
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3154