responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3152
يتلطف الله فيمنحه هؤلاء وهؤلاء. فلكل منهما نصيبه من حرث الدنيا وفق المقدور له في علم الله. ثم يبقى حرث الآخرة خالصا لمن أراده وعمل فيه.
ومن طلاب حرث الدنيا نجد الأغنياء والفقراء بحسب أسباب الرزق المتعلقة بالأوضاع العامة والاستعدادات الخاصة. وكذلك نجد الحال عند طلاب حرث الآخرة سواء بسواء. ففي هذه الأرض لا اختلاف بين الفريقين في قضية الرزق. إنما يظهر الاختلاف والامتياز هناك! فمن هو الأحمق الذي يترك حرث الآخرة. وتركه لا يغير من أمره شيئا في هذه الحياة؟! والأمر في النهاية مرتبط بالحق والميزان الذي نزل به الكتاب من عند الله. فالحق والعدل ظاهران في تقدير الرزق لجميع الأحياء. وفي زيادة حرث الآخرة لمن يشاء. وفي حرمان الذين يريدون حرث الدنيا من حرث الآخرة يوم الجزاء ...
ومن ثم يبدأ جولة أخرى حول الحقيقة الأولى:
«أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ؟ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ، وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ، وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ، لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ، ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ. ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ، قُلْ: لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ» ..
في فقرة سابقة قرر أن ما شرعه الله للأمة المسلمة هو ما وصى به نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى، وهو ما أوحى به إلى محمد- صلّى الله عليه وسلّم- وفي هذه الفقرة يتساءل في استنكار عما هم فيه وما هم عليه، من ذا شرعه لهم ما دام الله لم يشرعه؟ وهو مخالف لما شرعه منذ أن كان هناك رسالات وتشريعات؟
«أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ؟» ..
وليس لأحد من خلق الله أن يشرع غير ما شرعه الله وأذن به كائنا من كان فالله وحده هو الذي يشرع لعباده.
بما أنه- سبحانه- هو مبدع هذا الكون كله، ومدبره بالنواميس الكلية الكبرى التي اختارها له. والحياة البشرية إن هي إلا ترس صغير في عجلة هذا الكون الكبير، فينبغي أن يحكمها تشريع يتمشى مع تلك النواميس ولا يتحقق هذا إلا حين يشرع لها المحيط بتلك النواميس. وكل من عدا الله قاصر عن تلك الإحاطة بلا جدال.
فلا يؤتمن على التشريع لحياة البشر مع ذلك القصور.
ومع وضوح هذه الحقيقة إلى حد البداهة فإن الكثيرين يجادلون فيها، أو لا يقتنعون بها، وهم يجرؤون على استمداد التشريع من غير ما شرع الله، زاعمين أنهم يختارون الخير لشعوبهم، ويوائمون بين ظروفهم والتشريع الذي ينشئونه من عند أنفسهم. كأنما هم أعلم من الله وأحكم من الله! أو كأنما لهم شركاء من دون الله يشرعون لهم ما لم يأذن به الله! وليس أخيب من ذلك ولا أجرا على الله! لقد شرع الله للبشرية ما يعلم سبحانه، أنه يتناسق مع طبيعتها وفطرتها وطبيعة الكون الذي تعيش فيه وفطرته.
ومن ثم يحقق لهذه البشرية أقصى درجات التعاون فيما بينها، والتعاون كذلك مع القوى الكونية الكبرى. شرع في هذا كله أصولا، وترك للبشر فقط استنباط التشريعات الجزئية المتجددة مع حاجات الحياة المتجددة، في حدود المنهج الكلي والتشريعات العامة. فإذا ما اختلف البشر في شيء من هذا ردوه إلى الله ورجعوا به إلى تلك

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3152
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست