نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3146
النفسي المناسب للتعقيب على تلك الحقيقة.. فها هو ذا رسول الله ونبيه يشهد أن الله هو ربه، وأنه يتوكل عليه وحده، وأنه ينيب إليه دون سواه. فكيف يتحاكم الناس إذن إلى غيره عند اختلافهم في شيء من الأمر، والنبي المهدي لا يتحاكم إلا إليه، وهو أولى من يتحاكم الناس إلى قوله الفصل، لا يتلفتون عنه لحظة هنا أو هناك؟
وكيف يتجهون في أمر من أمورهم وجهة أخرى، والنبي المهدي يتوكل على الله وحده، وينيب إليه وحده، بما أنه هو ربه ومتولي أمره وكافله وموجهه إلى حيث يختار؟
واستقرار هذه الحقيقة في ضمير المؤمن ينير له الطريق ويحدد معالمه، فلا يتلفت هنا أو هناك. ويسكب فيه الطمأنينة إلى طريقه، والثقة بمواقع خطواته، فلا يتشكك ولا يتردد ولا يختار. ويشعره أن الله راعيه وحاميه ومسدد خطاه في هذا الاتجاه. والنبي المهدي سالك هذا الطريق إلى الله.
واستقرار هذه الحقيقة في ضمير المؤمن يرفع من شعوره بمنهجه وطريقه، فلا يجد أن هناك منهجا آخر أو طريقا يصح أن يتلفت إليه ولا يجد أن هنالك حكما غير قول الله وحكمه يرجع عند الاختلاف إليه. والنبي المهدي ينيب إلى ربه الذي شرع هذا المنهج وحكم هذا الحكم.
ثم يعقب مرة أخرى بما يزيد هذه الحقيقة استقرارا وتمكينا:
«فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً. يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» ..
فالله منزل ذلك القرآن ليكون حكمه الفصل فيما يختلفون فيه من شيء.. هو «فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» ..
وهو مدبر السماوات والأرض. والناموس الذي يحكم السماء والأرض هو حكمه الفصل في كل ما يختص بهما من أمر. وشؤون الحياة والعباد إن هي إلا طرف من أمر السماوات والأرض فحكمه فيها هو الحكم الذي ينسق بين حياة العباد وحياة هذا الكون العريض، ليعيشوا في سلام مع الكون الذي يحيط بهم، والذي يحكم الله في أمره بلا شريك.
والله الذي يجب أن يرجعوا إلى حكمه فيما يختلفون فيه من شيء هو خالقهم الذي سوى نفوسهم، وركبها:
«جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً» .. فنظم لكم حياتكم من أساسها، وهو أعلم بما يصلح لها وما تصلح به وتستقيم. وهو الذي أجرى حياتكم وفق قاعدة الخلق التي اختارها للأحياء جميعا: «وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً» ..
فهنالك وحدة في التكوين تشهد بوحدانية الأسلوب والمشيئة وتقديرها المقصود.. إنه هو الذي جعلكم- أنتم والأنعام- تتكاثرون وفق هذا المنهج وهذا الأسلوب. ثم تفرد هو دون خلقه جميعا، فليس هنالك من شيء يماثله- سبحانه وتعالى-: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» .. والفطرة تؤمن بهذا بداهة. فخالق الأشياء لا تماثله هذه الأشياء التي هي من خلقه.. ومن ثم فإنها ترجع كلها إلى حكمه عند ما تختلف فيما بينها على أمر، ولا ترجع معه إلى أحد غيره لأنه ليس هناك أحد مثله، حتى يكون هناك أكثر من مرجع واحد عند الاختلاف.
ومع أنه- سبحانه- «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ» .. فإن الصلة بينه وبين ما خلق ليست منقطعة لهذا الاختلاف الكامل. فهو يسمع ويبصر: «وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ» .. ثم يحكم حكم السميع البصير.
ثم إنه إذ يجعل حكمه فيما يختلفون فيه من شيء هو الحكم الواحد الفصل. يقيم هذا على حقيقة أن مقاليد السماوات والأرض كلها إليه بعد ما فطرها أول مرة، وشرع لها ناموسها الذي يدبرها: «لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» .. وهم بعض ما في السماوات والأرض، فمقاليدهم إليه.
ثم إنه هو الذي يتولى أمر رزقهم قبضا وبسطا- فيما يتولى من مقاليد السماوات والأرض-: «يَبْسُطُ الرِّزْقَ
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3146