responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3145
غيرهما من خلق الله ذوي الطبيعة المفردة الموحدة الاتجاه. استعدادات يجنح بها ومعها فريق إلى الهدى والنور والعمل الصالح ويجنح بها ومعها فريق إلى الضلال والظلام والعمل السيّء كل منهما يسلك وفق أحد الاحتمالات الممكنة في طبيعة تكوين هذا المخلوق البشري وينتهي إلى النهاية المقررة لهذا السلوك: «فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ» .. وهكذا: «يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ» .. وفق ما يعلمه الله من حال هذا الفريق وذاك، واستحقاقه للرحمة بالهداية أو استحقاقه للعذاب بالضلال.
ولقد سبق أن بعضهم يتخذ من دون الله أولياء. فهو يقرر هنا أن الظالمين: «ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ» ..
فأولياؤهم الذين يتخذونهم لا حقيقة لهم إذن ولا وجود.
ثم يعود فيسأل في استنكار:
«أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ؟» ..
ليقرر بعد هذا الاستنكار أن الله وحده هو الولي، وأنه هو القادر تتجلى قدرته في إحياء الموتى. العمل الذي تظهر فيه القدرة المفردة بأجلى مظاهرها:
«فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ، وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى» ..
ثم يعمم مجال القدرة ويبرز حقيقتها الشاملة لكل شيء والتي لا تنحصر في حدود:
«وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ..
ثم يعود إلى الحقيقة الأولى، لبيان الجهة التي يرجع إليها عند كل اختلاف. وهي هذا الوحي الذي جاء من عند الله يتضمن حكم الله كي لا يكون للهوى المتقلب أثر في الحياة بعد ذلك المنهج الإلهي القويم:
«وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ. ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ. فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً، يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ، إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» ..
وطريقة إيراد هذه الحقائق وتسلسلها وتجمعها في هذه الفقرة طريقة عجيبة، تستحق التدبر. فالترابط الخفي والظاهر بين أجزائها ترابط لطيف دقيق.
إنه يرد كل اختلاف يقع بين الناس إلى الله: «وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ» .. والله أنزل حكمه القاطع في هذا القرآن وقال قوله الفصل في أمر الدنيا والآخرة وأقام للناس المنهج الذي اختاره لهم في حياتهم الفردية والجماعية، وفي نظام حياتهم ومعاشهم وحكمهم وسياستهم، وأخلاقهم وسلوكهم. وبيّن لهم هذا كله بيانا شافيا. وجعل هذا القرآن دستورا شاملا لحياة البشر، أوسع من دساتير الحكم وأشمل. فإذا اختلفوا في أمر أو اتجاه فحكم الله فيه حاضر في هذا الوحي الذي أوحاه إلى رسوله- صلّى الله عليه وسلّم- لتقوم الحياة على أساسه.
وعقب تقرير هذه الحقيقة يحكي قول رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- مسلما أمره كله لله، منيبا إلى ربه بكليته:
«ذلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْهِ أُنِيبُ» ..
فتجيء هذه الإنابة، وذاك التوكل، وذلك الإقرار بلسان رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- في موضعها

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3145
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست