responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3142
ثم يعود إلى الحقيقة الأولى:
«وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها، وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ، فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً، وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ، وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ. أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ؟ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ. وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى. وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ..
«وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا ... » ..
يعطف هذا الطرف من حقيقة الوحي على ذاك الطرف الذي بدأ به السورة. والمناسبة هنا بين تلك الأحرف المقطعة، وعربية القرآن، مناسبة ظاهرة. فهذه أحرفهم العربية، وهذا قرآنهم العربي. نزل الله به وحيه في هذه الصورة العربية، ليؤدي به الغاية المرسومة:
«لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها» ..
وأم القرى مكة المكرمة. المكرمة ببيت الله العتيق فيها. وقد اختار الله أن تكون هي- وما حولها من القرى- موضع هذه الرسالة الأخيرة وأنزل القرآن بلغتها العربية لأمر يعلمه ويريده. و «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ» .
وحين ننظر اليوم من وراء الحوادث واستقرائها، ومن وراء الظروف ومقتضياتها، وبعد ما سارت هذه الدعوة في الخط الذي سارت فيه، وأنتجت فيه نتاجها.. حين ننظر اليوم هذه النظرة ندرك طرفا من حكمة الله في اختيار هذه البقعة من الأرض، في ذلك الوقت من الزمان، لتكون مقر الرسالة الأخيرة، التي جاءت للبشرية جميعا. والتي تتضح عالميتها منذ أيامها الأولى.
كانت الأرض المعمورة- عند مولد هذه الرسالة الأخيرة- تكاد تتقسمها امبراطوريات أربع: الامبراطورية الرومانية في أوربا وطرف من آسيا وإفريقية. والامبراطورية الفارسية وتمد سلطانها على قسم كبير من آسيا وإفريقية. والامبراطورية الهندية. ثم الامبراطورية الصينية. وتكادان تكونان مغلقتين على أنفسهما ومعزولتين بعقائدهما واتصالاتهما السياسية وغيرها وهذه العزلة كانت تجعل الامبراطوريتين الأوليين هما ذواتا الأثر الحقيقي في الحياة البشرية وتطوراتها.
وكانت الديانتان السماويتان قبل الإسلام- اليهودية والنصرانية- قد انتهتا إلى أن تقعا- في صورة من الصور- تحت نفوذ هاتين الامبراطوريتين، حيث تسيطر عليهما الدولة في الحقيقة، ولا تسيطران على الدولة! فضلا على ما أصابهما من انحراف وفساد.
ولقد وقعت اليهودية فريسة لاضطهاد الرومان تارة، ولاضطهاد الفرس تارة، ولم تعد تسيطر في هذه الأرض على شيء يذكر على كل حال وانتهت- بسبب عوامل شتى- إلى أن تكون ديانة مغلقة على بني إسرائيل، لا مطمع لها ولا رغبة في أن تضم تحت جناحها شعوبا أخرى.
وأما المسيحية فقد ولدت في ظل الدولة الرومانية. التي كانت تسيطر حين الميلاد على فلسطين وسورية ومصر وبقية المناطق التي انتشرت فيها المسيحية سرا وهي تتخفى من مطاردة الامبراطورية الرومانية التي اضطهدت العقيدة الجديدة اضطهادا فظيعا، تخللته مذابح شملت عشرات الألوف في قسوة ظاهرة. فلما انقضى عهد الاضطهاد الروماني، ودخل الامبراطور الروماني في المسيحية، دخلت معه أساطير الرومان الوثنية، ومباحث الفلسفة الإغريقية الوثنية كذلك وطبعت المسيحية بطابع غريب عليها فلم تعد هي المسيحية السماوية الأولى.
كما أن الدولة ظلت في طبيعتها لا تتأثر كثيرا بالديانة وظلت هي المهيمنة، ولم تهيمن العقيدة عليها أصلا.
وذلك كله فضلا على ما انتهت إليه المذاهب المسيحية المتعددة من تطاحن شامل- فيما بينها- مزق الكنيسة،

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3142
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست