نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3141
من السنوات الضوئية. أي المحسوبة بسرعة الضوء، التي تبلغ 168000 ميل في الثانية! هذه السماوات التي عرفنا منها هذا الجانب الصغير المحدود يكدن يتفطرن من فوقهن.. من خشية الله وعظمته وعلوه، وإشفاقا من انحراف بعض أهل الأرض ونسيانهم لهذه العظمة التي يحسها ضمير الكون، فيرتعش، وينتفض، ويكاد ينشق من أعلى مكان فيه! «وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ» ..
والملائكة أهل طاعة مطلقة، فقد كانوا أولى الخلق بالطمأنينة. ولكنهم دائبون في تسبيح ربهم، لما يحسون من علوه وعظمته، ولما يخشون من التقصير في حمده وطاعته. ذلك بينما أهل الأرض المقصرون الضعاف ينكرون وينحرفون فيشفق الملائكة من غضب الله ويروحون يستغفرون لأهل الأرض مما يقع في الأرض من معصية وتقصير. ويجوز أن يكون المقصود هو استغفار الملائكة للذين آمنوا، كالذي جاء في سورة غافر: «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ، وَيُؤْمِنُونَ بِهِ، وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا» .. وفي هذه الحالة يبدو: كم يشفق الملائكة من أية معصية تقع في الأرض، حتى من الذين آمنوا، وكم يرتاعون لها، فيستغفرون ربهم وهم يسبحون بحمده استشعارا لعلوه وعظمته واستهوالا لأية معصية تقع في ملكه واستدرارا لمغفرته ورحمته وطمعا فيهما:
«أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» ..
فيجمع إلى العزة والحكمة، العلو والعظمة، ثم المغفرة والرحمة.. ويعرف العباد ربهم بشتى صفاته.
وفي نهاية الفقرة- بعد تقرير تلك الصفات وأثرها في الكون كله- يعرض للذين يتخذون من دون الله أولياء.
وقد بدا أن ليس في الكون غيره من ولي. ليعفى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- من أمرهم، فما هو عليهم بوكيل، والله هو الحفيظ عليهم، وهو بهم كفيل:
«وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ، اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ، وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ» ..
وتبدو للضمير صورة هؤلاء المناكيد التعساء وهم يتخذون من دون الله أولياء وأيديهم مما أمسكت خاوية، وليس هنالك إلا الهباء! تبدو للضمير صورتهم- في ضآلتهم وضآلة أوليائهم من دون الله. والله حفيظ عليهم.
وهم في قبضته ضعاف صغار. فأما النبي- صلّى الله عليه وسلّم- والمؤمنون معه، فهم معفون من التفكير في شأنهم، والاحتفال بأمرهم، فقد كفاهم الله هذا الاهتمام.
ولا بد أن تستقر هذه الحقيقة في ضمائر المؤمنين لتهدأ وتطمئن من هذا الجانب في جميع الأحوال. سواء كان أولئك الذين يتخذون من دون الله أولياء أصحاب سلطان ظاهر في الأرض، أم كانوا من غير ذوي السلطان.
تطمئن في الحالة الأولى لهوان شأن أصحاب السلطان الظاهر- مهما تجبروا- ما داموا لا يستمدون سلطانهم هذا من الله والله حفيظ عليهم وهو من ورائهم محيط والكون كله مؤمن بربه من حولهم، وهم وحدهم المنحرفون كالنغمة النشاز في اللحن المتناسق! وتطمئن في الحالة الثانية من ناحية أن ليس على المؤمنين من وزر في تولي هؤلاء غير الله فهم ليسوا بوكلاء على من ينحرفون من الخلق وليس عليهم إلا النصح والبلاغ.
والله هو الحفيظ على قلوب العباد.
ومن ثم يسير المؤمنون في طريقهم. مطمئنين إلى أنه الطريق الموصول بوحي الله. وأن ليس عليهم من ضير في انحراف المنحرفين عن الطريق. كائنا ما يكون هذا الانحراف..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3141