responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3143
وكاد يمزق الدولة كلها تمزيقا. وأوقع في الاضطهاد البشع المخالفين للمذهب الرسمي للدولة. وهؤلاء وهؤلاء كانوا في الانحراف عن حقيقة المسيحية سواء! وفي هذا الوقت جاء الإسلام. جاء لينقذ البشرية كلها مما انتهت إليه من انحلال وفساد واضطهاد وجاهلية عمياء في كل مكان معمور. وجاء ليهيمن على حياة البشرية ويقودها في الطريق إلى الله على هدى وعلى نور.
ولم يكن هنالك بد من أن يسيطر الإسلام لتحقيق هذه النقلة الضخمة في حياة البشر. فلم يكن هنالك بد من أن يبدأ رحلته من أرض حرة لا سلطان فيها لامبراطورية من تلك الامبراطوريات وأن ينشأ قبل ذلك نشأة حرة لا تسيطر عليه فيها قوة خارجة على طبيعته بل يكون فيها هو المسيطر على نفسه وعلى من حوله. وكانت الجزيرة العربية، وأم القرى وما حولها بالذات، هي أصلح مكان على وجه الأرض لنشأة الإسلام يومئذ، وأصلح نقطة يبدأ منها رحلته العالمية التي جاء من أجلها منذ اللحظة الأولى.
لم تكن هناك حكومة منظمة ذات قوانين وتشريعات وجيوش وشرطة وسلطان شامل في الجزيرة. تقف للعقيدة الجديدة. بسلطانها المنظم، وتخضع لها الجماهير خضوعا دقيقا، كما هو الحال في الامبراطوريات الأربع.
ولم تكن هنالك ديانة ثابتة كذلك ذات معالم واضحة فقد كانت الوثنية الجاهلية ممزقة، ومعتقداتها وعباداتها شتى. وكان للعرب آلهة شتى من الملائكة والجن والكواكب والأصنام. ومع أنه كان للكعبة وقريش سلطان ديني عام في الجزيرة، فإنه لم يكن ذلك السلطان المحكم الذي يقف وقفة حقيقية في وجه الدين الجديد. ولولا المصالح الاقتصادية والأوضاع الخاصة لرؤساء قريش ما وقفوا هذه الوقفة في وجه الإسلام. فقد كانوا يدركون ما في عقائدهم من خلخلة واضطراب.
وكانت خلخلة النظام السياسي للجزيرة إلى جانب خلخلة النظام الديني، أفضل ظرف يقوم فيه دين جديد، متحررا من كل سلطان عليه في نشأته، خارج عن طبيعته.
وفي وسط هذه الخلخلة كان للأوضاع الاجتماعية في الجزيرة قيمتها كذلك في حماية نشأة الدعوة الجديدة.
كان النظام القبلي هو السائد. وكان للعشيرة وزنها في هذا النظام. فلما قام محمد- صلّى الله عليه وسلّم- بدعوته وجد من سيوف بني هاشم حماية له ووجد من التوازن القبلي فرصة، لأن العشائر كانت تشفق من إثارة حرب على بني هاشم بسبب حمايتهم لمحمد- صلّى الله عليه وسلّم- وهم على غير دينه. بل إنها كانت تشفق من الاعتداء على كل من له عصبية من القلائل الذين أسلموا في أول الدعوة، وتدع تأديبه- أو تعذيبه- لأهله أنفسهم.
والموالي الذين عذبوا لإسلامهم عذبهم سادتهم. ومن ثم كان أبو بكر- رضي الله عنه- يشتري هؤلاء الموالي ويعتقهم، فيمتنع تعذيبهم بهذا الإجراء، وتمتنع فتنتهم عن دينهم.. ولا يخفى ما في هذا الوضع من ميزة بالقياس إلى نشأة الدين الجديد.
ثم كانت هنالك صفات الشعب العربي نفسه من الشجاعة والأريحية والنخوة. وهي استعدادات ضرورية لحمل العقيدة الجديدة والنهوض بتكاليفها.
وقد كانت الجزيرة في ذلك الزمان تزخر بحضانة عميقة لبذور نهضة وكانت تجيش بكفايات واستعدادات وشخصيات تتهيأ لهذه النهضة المذخورة لها في ضمير الغيب وكانت قد حفلت بتجارب إنسانية معينة من رحلاتها إلى أطراف امبراطوريتي كسرى وقيصر. وأشهرها رحلة الشتاء إلى الجنوب ورحلة الصيف إلى الشمال.
المذكورتان في القرآن في قوله تعالى: «لِإِيلافِ قُرَيْشٍ. إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَالصَّيْفِ. فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ،

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3143
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست