responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3117
نترك هذه الرواية قبل أن نقف وقفة قصيرة أمام صورة رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم- وأدب النفس الكبيرة وطمأنينة القلب المؤمن. وهو يستمع من عتبة إلى هذه الخواطر الصغيرة التي يعرضها عليه، وقلبه مشغول بما هو أعظم، حتى لتبدو هذه الخواطر مقززة تثير الاشمئزاز: ولكن الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- يتلقاها حليما، ويستمع كريما، وهو مطمئن هادئ ودود. لا يعجل عتبة عن استكمال هذه الخواطر الصغيرة. حتى إذا انتهى قال في هدوء وثبات وسماحة: «أفرغت يا أبا الوليد؟» . فيقول: نعم. فيقول: - صلّى الله عليه وسلّم- «فاستمع مني» ولا يفاجئه بالقول حتى يقول: أفعل. وعندئذ يتلو- صلّى الله عليه وسلّم- في ثقة وفي طمأنينة وفي امتلاء روح قول ربه لا قوله: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. حم..» ..
إنها صورة تلقي في القلب المهابة. والثقة. والمودة. والاطمئنان.. ومن ثم كان يملك قلوب سامعيه..
الذين قد يقصدون إليه أول الأمر ساخرين أو حانقين! صلّى الله عليه وسلّم.. وصدق الله العظيم: «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ» ..
ونعود بعد هذه الوقفة القصيرة إلى النص القرآني الكريم:
«فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ: أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ..» .
إنها جولة في مصارع الغابرين، بعد تلك الجولة في ملكوت السماوات والأرض. جولة تهز القلوب المستكبرة برؤية مصارع المستكبرين:
«إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ» ..
الكلمة الواحدة التي جاء بها الرسل أجمعين. وقام عليها بنيان كل دين.
«قالُوا: لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً. فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ» ..
وهي كذلك الشبهة المتكررة التي ووجه بها كل رسول. وما كان لرسول يخاطب البشر أن يكون إلا من البشر. يعرفهم ويعرفونه. ويجدون فيه قدوة واقعية، ويعاني هو ما يعانونه. ولكن عادا وثمودا أعلنوا كفرهم برسلهم، لأنهم بشر لا ملائكة كما كانوا يقترحون! وإلى هنا أجمل مصير عاد وثمود. وهو واحد. إذ انتهى هؤلاء وهؤلاء إلى الأخذ بالصاعقة. ثم فصل قصة كل منهما بعض التفصيل:
«فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ. وَقالُوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟» ..
إن الحق أن يخضع العباد لله، وألا يستكبروا في الأرض، وهم من هم بالقياس إلى عظمة خلق الله. فكل استكبار في الأرض فهو بغير الحق. استكبروا واغتروا «وَقالُوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟» ..
وهو الشعور الكاذب الذي يحسه الطغاة. الشعور بأنه لم تعد هناك قوة تقف إلى قوتهم. وينسون:
«أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً؟» ..
إنها بديهة أولية.. إن الذي خلقهم من الأصل أشد منهم قوة. لأنه هو الذي مكن لهم في هذا القدر المحدود من القوة. ولكن الطغاة لا يذكرون:
«وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ» ..
وبينما هم في هذا المشهد يعرضون عضلاتهم! ويتباهون بقوتهم. إذا المشهد التالي في الآية التالية هو المصرع المناسب لهذا العجب المرذول:

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3117
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست