نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3118
«فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ. لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا» ..
إنها العاصفة الهوجاء المجتاحة الباردة في أيام نحس عليهم. وإنه الخزي في الحياة الدنيا. الخزي اللائق بالمستكبرين المتباهين المختالين على العباد..
ذلك في الدنيا.. وليسوا بمتروكين في الآخرة:
«وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى. وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ» ..
«وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى» ..
ويظهر أن هذه إشارة إلى اهتدائهم بعد آية الناقة، ثم ردتهم وكفرهم بعد ذلك. وإيثارهم العمى على الهدى.
والضلال بعد الهدى عمى أشد العمى! «فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» ..
والهوان أنسب عاقبة. فليس هو العذاب فحسب، وليس هو الهلاك فحسب. ولكنه كذلك الهوان جزاء على العمى بعد الإيمان.
«وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ» ..
وتنتهي الجولة على مصرع عاد وثمود. والإنذار بهذا المصرع المخيف المرهوب. ويتكشف لهم سلطان الله الذي لا ترده قوة ولا يعصم منه حصن، ولا يبقي على مستكبر مريد.
والآن وقد كشف لهم عن سلطان الله في فطرة الكون وسلطان الله في تاريخ البشر، يطلعهم على سلطان الله في ذوات أنفسهم، التي لا يملكون منها شيئا، ولا يعصمون منها شيئا من سلطان الله. حتى سمعهم وأبصارهم وجلودهم تطيع الله وتعصيهم في الموقف المشهود، وتكون عليهم بعض الشهود:
«وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ: لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا؟ قالُوا: أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ، وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ، وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ. وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ، فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ. فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ. وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ» ..
إنها المفاجأة الهائلة في الموقف العصيب. وسلطان الله الذي تطيعه جوارحهم وتستجيب. وهم يوصمون بأنهم أعداء الله. فما مصير أعداء الله؟ إنهم يحشرون ويجمع أولهم على آخرهم وآخرهم على أولهم كالقطيع! إلى أين؟ إلى النار! حتى إذا كانوا حيالها وقام الحساب، إذا شهود عليهم لم يكونوا لهم في حساب. إن ألسنتهم معقودة لا تنطق، وقد كانت تكذب وتفتري وتستهزئ. وإن أسماعهم وأبصارهم وجلودهم تخرج عليهم، لتستجيب لربها طائعة مستسلمة، تروي عنهم ما حسبوه سرا. فقد يستترون من الله. ويظنون أنه لا يراهم وهم يتخفون بنواياهم، ويتخفون بجرائمهم. ولم يكونوا ليستخفوا من أبصارهم وأسماعهم وجلودهم. وكيف وهي معهم؟ بل كيف وهي أبعاضهم؟! وها هي ذي تفضح ما حسبوه مستورا عن الخلق أجمعين. وعن الله رب العالمين! يا للمفاجأة بسلطان الله الخفي، يغلبهم على أبعاضهم فتلبي وتستجيب!
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3118