نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3113
هنا أو هنا يؤثر في سرعة الدوران.. ومما يؤثر في سرعة هذا الدوران أن تتمدد الأرض أو تنكمش بسبب ما. ولو انكماشا أو تمددا طفيفا لا يزيد في قطرها أو ينقص منه إلا بضع أقدام» [1] .
فهذه الأرض الحساسة إلى هذا الحد، لا عجب أن تكون الجبال الرواسي حافظة لتوازنها ومانعة: «أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ» كما جاء في القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرنا.
«وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها» .. وقد كانت هذه الفقرة تنقل إلى أذهان أسلافنا صورة الزرع النامي في هذه الأرض وبعض ما خبأه الله في جوف الأرض من معادن نافعة كالذهب والفضة والحديد وما إليها.. فأما اليوم بعد ما كشف الله للإنسان أشياء كثيرة من بركته في الأرض ومن أقواتها التي خزنها فيها على أزمان طويلة، فإن مدلول هذه الفقرة يتضاعف في أذهاننا..
وقد رأينا كيف تعاونت عناصر الهواء فكونت الماء. وكيف تعاون الماء والهواء والشمس والرياح فكونت التربة الصالحة للزرع. وكيف تعاون الماء والشمس والرياح فكونت الأمطار أصل الماء العذب كله من أنهار ظاهرة وأنهار باطنة تظهر في شكل ينابيع وعيون وآبار.. وهذه كلها من أسس البركة ومن أسس الأقوات.
وهناك الهواء. ومن الهواء أنفاسنا وأجسامنا..
«إن الأرض كرة تلفها قشرة من صخر. وتلف أكثر الصخر طبقة من ماء. وتلف الصخر والماء جميعا طبقة من هواء. وهي طبقة من غاز سميكة. كالبحر، لها أعماق. ونحن- بني الإنسان، والحيوان، والنبات، نعيش في هذه الأعماق، هانئين بالذي فيها.
«فمن الهواء نستمد أنفاسنا، من أكسجينه. ومن الهواء يا بني النبات جسمه، من كربونه، بل من أكسيد كربونه، ذلك الذي يسميه الكيماواون ثاني أكسيد الكربون. يا بني النبات جسمه من أكسيد الفحم هذا.
ونحن نأكل النبات. ونأكل الحيوان الذي يأكل النبات. ومن كليهما نبني أجسامنا. بقي من غازات الهواء النتروجين، أي الأزوت، فهذا لتخفيف الأكسيجين حتى لا نحترق بأنفاسنا. وبقي بخار الماء هذا لترطيب الهواء. وبقيت طائفة من غازات أخرى، توجد فيه بمقادير قليلة هي- في غير ترتيب- الأرجون، والهليوم، والنيون، وغيرها. ثم الإدروجين، وهذه تخلفت- على الأكثر- في الهواء من بقايا خلقة الأرض الأولى» [2] .
والمواد التي نأكلها والتي ننتفع بها في حياتنا- والأقوات أوسع مما يؤكل في البطون- كلها مركبات من العناصر الأصلية التي تحتويها الأرض في جوفها أو في جوها سواء. وعلى سبيل المثال هذا السكر ما هو؟ إنه مركب من الكربون والايدروجين والاكسيجين. والماء علمنا تركيبه من الادروجين والاكسيجين.. وهكذا كل ما نستخدمه من طعام أو شراب أو لباس أو أداة.. إن هو إلا مركب من بين عناصر هذه الأرض المودعة فيها..
فهذا كله يشير إلى شيء من البركة وشيء من تقدير الأقوات.. في أربعة أيام.. فقد تم هذا في مراحل زمنية متطاولة.. هي أيام الله، التي لا يعلم مقدارها إلا الله.
«ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ. فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً. قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ. فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ، وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها. وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً. ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ» . [1] المرجع السابق. [2] المصدر السابق.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3113