نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3112
«وتسأل عن هذه الأصول السابقة التي منها اشتقت تلك الصخور الراسبة، على اختلافها، فتعلم أنها الصخور النارية. بدأت الأرض عند ما انجمد سطحها من بعد انصهار، في قديم الأزل، ولا شيء على هذا السطح المنجمد غير الصخر الناري. ثم جاء الماء، وجاءت البحار، وتفاعل الصخر الناري والماء. وشركهما الهواء. شركهما غازات متفاعلة، وشركهما رياحا عاصفة، وشركتهما الشمس نارا ونورا. وتفاعلت كل هذه العوامل جميعا.
وفقا لما أودع فيها من طبائع. فغيرت من صخر ناري صلد غير نافع، إلى صخر نافع. صخر ينفع في بناء المساكن، وصخر ينفع في استخراج المعادن. وأهم من هذا، وأخطر من هذا، أنها استخرجت من هذا الصخر الناري الصلد، الذي لا ينفع لحياة تقوم عليه، استخرجت تربة، رسبت على سطح الأرض، مهدت لقدوم الأحياء والخلائق.
«إن الجرانيت لا ينفع لحرث أو زرع أو سقيا، ولكن تنفع تربة هشة لينة خرجت منه ومن أشباه له.
وبظهور هذه التربة ظهر النبات، وبظهور النبات ظهر الحيوان. وتمهدت الأرض لقيام رأس الخلائق على هذه الأرض. ذلك الإنسان..» «1»
هذه الرحلة الطويلة كما يقدرها العلم الحديث، قد تساعدنا على فهم معنى الأيام في خلق الأرض وجعل الرواسي فوقها، والمباركة فيها، وتقدير أقواتها في أربعة أيام.. من أيام الله.. التي لا نعرف ما هي؟ ما طولها؟
ولكننا نعرف أنها غير أيام هذه الأرض حتما..
ونقف لحظة أمام كل فقرة من النص القرآني قبل أن نغادر الأرض إلى السماء! «وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها» .. وكثيرا ما يرد تسمية الجبال «رَواسِيَ» وفي بعض المواضع يعلل وجود هذه الرواسي «أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ» أي إنها هي راسية، وهي ترسي الأرض، وتحفظ توازنها فلا تميد.. ولقد غير زمان كان الناس يحسبون أن أرضهم هذه ثابتة راسخة على قواعد متينة! ثم جاء زمان يقال لهم فيه الآن:
إن أرضكم هذه إن هي إلا كرة صغيرة سابحة في فضاء مطلق، لا تستند إلى شيء.. ولعلهم يفزعون حين يقال لهم هذا الكلام أول مرة أو لعل منهم من ينظر بوجل عن يمينه وعن شماله خيفة أن تتأرجح به هذه الأرض أو تسقط في أعماق الفضاء! فليطمئن. فإن يد الله تمسكها أن تزول هي والسماء. ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده! وليطمئن فإن النواميس التي تحكم هذا الكون متينة من صنع القوي العزيز! ونعود إلى الجبال فنجد القرآن يقول إنها «رَواسِيَ» وإنها كذلك ترسي الأرض فلا تميد. ولعلها- كما قلنا في موضع آخر من هذه الظلال- تحفظ التناسق بين القيعان في المحيطات والمرتفعات في الأرض فتتوازن فلا تميد.
وهذا عالم يقول:
«إن كل حدث يحدث في الأرض، في سطحها أو فيما دون سطحها، يكون من أثره انتقال مادة من مكان إلى مكان يؤثر في سرعة دورانها. فليس المد والجزر هو العامل الوحيد في ذلك. (أي في بطء سرعة الأرض كما قال قبل هذه الفقرة) حتى ما تنقله الأنهار من مائها من ناحية في الأرض إلى ناحية يؤثر في سرعة الدوران. وما ينتقل من رياح يؤثر في سرعة الدوران. وسقوط في قاع البحار، أو بروز في سطح الأرض
(1) كتاب «مع الله في السماء» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 5 صفحه : 3112