responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3093
للاحتراق في العالم تصبح عرضة للاشتعال. لدرجة أن أول شرارة من البرق تصيب شجرة لا بد أن تلهب الغابة حتى لتكاد تنفجر. ولو أن نسبة الأوكسجين في الهواء قد هبطت إلى 10 في المائة أو أقل فإن الحياة ربما طابقت نفسها عليها في خلال الدهور. ولكن في هذه الحالة كان القليل من عناصر المدنية التي ألفها الإنسان- كالنار مثلا- تتوافر له [1] » .
وهناك آلاف الموافقات في تصميم هذا الكون لو اختل واحد منها أدنى اختلال ما كانت الحياة في صورتها هذه التي نعرفها، موافقة هكذا لحياة الإنسان.
فأما الإنسان ذاته فمن حسن صورته هذه الهيئة المتفردة بين سائر الأحياء وهذا الاكتمال من ناحية الأجهزة لأداء وظائفه جميعها في يسر ودقة وهذا التوافق بين تكوينه والظروف الكونية العامة التي تسمح له بالوجود والحركة في هذا الوسط الكوني كما هو كائن وذلك كله فوق خاصيته الكبرى التي جعلت منه خليفة في الأرض مجهزا بأداة الخلافة الأولى: العقل والاتصال الروحي بما وراء الأشكال والأعراض.
ولو رحنا نبحث دقة التكوين الإنساني وتناسق أجزائه ووظائفه- بوصفها داخلة في قوله تعالى: «وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ» - لوقفنا أمام كل عضو صغير، بل أمام كل خلية مفردة، في هذا الكيان الدقيق العجيب.
ونضرب مثلا لهذه الدقة العجيبة فك الإنسان ووضع الأسنان فيه من الناحية الآلية البحتة. إن هذا الفك من الدقة بحيث إن بروز واحد على عشرة من المليمتر في اللثة أو في اللسان، يزحم اللثة واللسان وبروز مثل هذا الحجم في ضرس أو سن يجعله يصطك بما يقابله ويحتك! ووجود ورقة كورقة السيجارة بين الفكين العلوي والسفلي يجعلها تتأثر بضغط الفكين عليها فتظهر فيها علامات الضغط لأنها من الدقة بحيث يلتقيان تماما ليمضغ الفك ويطحن ما هو في سمك ورقة السيجارة! ثم.. إن هذا الإنسان بتكوينه هذا مجهز ليعيش في هذا الكون.. عينه هذه مقيسة على الذبذبات الضوئية التي تقتضي وظيفته في الأرض أن يراها. وأذنه تلك مقيسة على الذبذبات الصوتية التي تقتضي وظيفته في الأرض أن يسمعها. وكل حاسة فيه أو جارحة مصممة وفق الوسط المهيأ لحياته، ومجهزة كذلك بالقدرة على التكيف المحدود عند تغير بعض الظروف.
إنه مخلوق لهذا الوسط. ليعيش فيه، ويتأثر به، ويؤثر فيه. وهناك ارتباط وثيق بين تصميم هذا الوسط وتكوين هذا الإنسان. وتصوير الإنسان على هذه الصورة ذو علاقة بوسطه. أي بالأرض والسماء. ومن ثم يذكر القرآن صورته في نفس الآية التي يذكر فيها الأرض والسماء.. ألا إنه الإعجاز في هذا القرآن..
وتكفي هذه الإشارات بهذا الاختصار إلى دقة صنع الله وتناسقه بين الكون والإنسان.
ونقف وقفات سريعة أمام النصوص القرآنية:
«اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً» ..
إن السكون بالليل ضرورة لكل حي. ولا بد من فترة من الظلام تسكن فيه الخلايا الحية وتستكن لتزاول نشاطها في النور. ولا يكفي مجرد النوم لتوفير هذا السكون. بل لا بد من ليل. لا بد من ظلام. فالخلية الحية التي تتعرض لضوء مستمر تصل إلى حد من الإجهاد تتلف معه أنسجتها لأنها لم تتمتع بقسط ضروري لها من السكون.

[1] عن كتاب «العلم يدعو للإيمان» ترجمة محمود صالح الفلكي.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 5  صفحه : 3093
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست